في الافلام السينمائية يستخدم المخرجون عادة _ باحترافية عالية _ عدة انواع من كادرات الكاميرا , تساعد بتنوعها على أن نفهم بوضوح حقيقة ما يجري , وتتعدى رصد المشاهد الى رصد المشاعر .
الافلام تبدأ بتلك اللقطة الواسعة التي تسع مدينة أو حياً بأكمله ثم تقترب لتدخلنا الى الشارع أو البيت الذي تدور فية الأحداث , وعلى مدى دقائق الفيلم تتنوع اللقطات ترصده خلجات العيون وتمتمات الأفواه تصف حالة المجتمع الكبير لحظة وقوع الحدث , أو بانوراميه تدور فيها الكاميرة حول نفسها محاولة ان ترصد كل زوايا المشهد الخفية .
في العراق يفتقد مشهدنا السياسي الى ذلك المخرج المحترف الذي يجيد استخدام الكاميرا لنقل قصة متكاملة ورصد جميع زوايا المشهد السياسي , ولو أن هناك أصوات وأقلام نظيفة تُخرج الحقائق شيئاً فشيئاً بمرور الوقت , حقائق حاول الكثيرون من أصحاب الشأن السياسي طمسها وأغلاق الابواب عليها , لكن الحقيقة المرة والمشهد المرعب الذي نعيشه يوميا ونشاهده بأم أعيننا من تفجير مستمر , وانتكاسات وإخفاقات على كل المستويات والأصعدة , تجعل من الحقيقة صورة واضحة أحياناً لا تنقلها الكامرة الخفية مهما كانت درجت نقاوتها وتقنيتها .
صورة لحكومة أو سياسة ينتهجها البعض أتسمت بالفشل أذا ظهر عليها عدد من الأعراض أولها إن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها , وفقدانها الشرعية في أتخاذ القرارات العامة وتنفيذها , وفي بعض الأحيان تكون هناك دكتاتورية في أتخاذ القرارات والتفرد بالسلطة ,وعجزها عن توفير الحد المعقول في الخدمات العامة ,وعجزها عن التفاعل مع الدول الاخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية .
أحياناً تبقى الساحة خالية لهواة التصوير السياسي من التيارات المختلفة , يصورون المشهد السياسي بأحدث كاميراتهم ,وكما تعلمون أن الكاميرة هي أجهزة انتقائية ,وكلما أسرفت في التركيز على زاوية من المشهد فأعلم أنها تعتمد إخفاء زوايا أخرى ... وفي مشهدنا السياسي العراقي نحتاج كاميرة تقترب وتبتعد من الجميع ,وتسجل لقطات واسعة بعرض وطن يموج بالحركة والألم والأمل ,ولقطات مقربة من كل فريق ليعلم أن وراءة من يراقبه ,ولقطات بانوراميه ترصد التفاصيل التي يعاني منها بسطاء يأكلهم البؤس فيما النخبة يأكل بعضها البعض .
مقالات اخرى للكاتب