نقرأ اليوم بإثارة مقتطفات في معاني كتاب (تاريخ ضائع Lost History) , تأليف الكاتب الأمريكي مايكل هاملتون مورغن Michael Hamilton Morgan
الذي يتطرّق فيه الى شخصيات عربية رسمت تاريخ البشرية بعلمها وحكمها وحكمتها ، حيث كان منهاجهم وسيرتهم مناراً إهتدت به البشرية على مر الدهور والعصور وحتى يومنا .
يتطرق الكاتب الأمريكي مايكل هاملتون مورغن الغير مُسْلمْ ، وبشرح مفصّل ووافي لسيرة أمير المؤمنين (علي بن ابي طالب) ، الذي يرى أن العرب قد ابتعدوا كثيراً عن نهج هذا الرجل العملاق (كما يحلو له ان يُسمّيه في كتابه) , ولم ينتبهوا إلى وهج الفنارات الأخلاقية والإنسانية والفلسفية , التي أضاءها لهم بنور عبقريته , ولم يستجيبوا لندائه الناطق بالحق , وهو الذي كان حتى يومنا هذا صوتاً مدوياً للعدالة الإنسانية (والكلام للمؤلف) , ولم يعلموا حتى الآن أن لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة اختارته عام 2002 من بين مئات الزعماء والقادة باعتباره أعدل حاكم ظهر في تاريخ البشرية , مستندة في اختيارها هذا على مئات الوثائق المكتوبة باللغة الانجليزية .
ثم عادت الأمم المتحدة لتضع رسائله الموجهة إلى ولاته وعماله في المراتب العليا , وتعدها من أهم مصادر التشريع في القانون الدولي ، (والكلام لازال للمؤلف) .
يقول مايكل أيضاً في كتابه :
لم يُتَحْ لزعيم بمستوى (علي إبن أبي طالب) أن تجتمع فيه صفات التقوى والعلم والحلم والحزم والرقي في آن واحد , ويُبْدي المؤلف إستغرابه من جهل الأمة العربية والإسلامية لنبراسه , الذي أرشدهم نحو المسارات المستقبلية الصحيحة , فيقول :
فلا الذين ناصبوه العداء ساروا على نهجه , ولا الذين تظاهروا بموالاته عرفوا طريقهم إليه , وهكذا تخبطت الأمة في عصر الضياع والتشرذم بين مبغض له ومغال في حبه .
ويقول أيضاً : من المفارقات العجيبة أن الزعماء العرب لم يطبقوا الحد الأدنى من دستور هذا الرجل العملاق ومنهجه , ولم يكلفوا أنفسهم مشقة العمل بأحكامه المستمدة من القرآن كتاب المسلمين المقدّس , ولم يعرفوا شيئاً عن مواثيقه وعهوده , التي عهد بها إلى ولاته وعماله . وإسترشد المؤلف برسالة أمير المؤمنين لعامله مالك الأشتر , الذي ناشده برسالته (التي تُعد منهجاً ودستوراً يمكن ان ينهجه الحكّام حتى اليوم) ، بإرساء قواعد العدل والإنصاف , حيث قال له :
وأشعر قلبك الرحمة للرعية , والمحبة لهم , واللطف بهم , ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم , فإنّهم صنفان : إمّا أخٌ لك في الدين , وإمّا نظير لك في الخلق . وأعلم أنه ليس بأدعى إلى حسن الظن راع برعيته من إحسانه إليهم , وتخفيفه المؤونات عليهم , وترك استكراهه إياهم على ليس قبلهم , فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك , فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً , وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده , وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده , ولا تنقص سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة , واجتمعت بها الألفة , وصلحت عليها الرعية , ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها , والوزر عليك بما نقضت منها ، (إنتهت) .
فمنذ زمن بعيد وسكان كوكب الأرض ينتظرون منا نحن العرب النهوض من سباتنا, والعودة بقوة إلى الركب الحضاري , الذي تخلفنا عنه كثيراً بعدما فقدنا أثر أجدادنا الذين رسموا مساراته الإبداعية , وينتظرون منا العودة إلى عصورنا الذهبية , التي ازدانت وازدهرت بالاختراعات والابتكارات والاكتشافات والنظريات العلمية , وينتظرون ظهور علماء جدد , كان لهم الفضل في إنتاج وقود عجلة التقدم البشري نحو الآفاق المستقبلية , فانطلق العالم من كهوف العصور المظلمة إلى واحات العصور المشرقة بفضلهم وعلمهم ومنهجهم .
ومنذ زمن بعيد والعالم كله ينظر إلينا بعين الاهتمام , لأننا ننتمي إلى الرموز الإنسانية الخالدة , وننتمي إلى الرجال الأفذاذ , والقامات الشامخة , لكننا فقدنا بوصلة الانتماء , وجنحنا نحو الركود والتخلف , فضللنا الطريق في زمن الضياع , ولم نصل إلى الحد الأدنى من فكر قادتنا , الذين اختار منهم المؤلف (مايكل هاملتون مورغن) شخصيات عديدة , توقف عندهم بالشرح المفصل , لكنه توقف طويلا أمام شخصية أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما فيها من عظمة لن يُكررها التاريخ .
ويُعد (مايكل) من كبار الكتاب في القارة الأمريكية , حيث عمل ردحاً طويلاً في السلك الدبلوماسي , ثم انصرف للكتابة ودراسة التاريخ , فكتب سلسلة من المؤلفات نذكر منها :
- (The Twilight War) , الذي صدر عام 1991 .
- Graveyard of the Pacific , الذي صدر عام 2001 .
- Collision with History , الذي صدر في أمريكا عام 2002 .
- In Search of Golden Age , الذي صدر عام 2010 .
- تاريخ ضائع Lost History فقد صدر عام 2007 , ويعد من أفضل الكتب الغربية التي ألقت الأضواء على العصور العربية الزاهرة .
يتألف الكتاب من ثمانية فصول وخاتمة , تناول فيها الشخصيات العربية بلغة سردية مؤثرة تمهد للحقيقة العلمية والتاريخية بأسلوب يشد القارئ, ويشجعه على الاستمرار والمتابعة .
صدرت للكتاب ترجمة عربية عام 2008 بقلم (أميرة نبيه بدوي) عن دار نهضة مصر .
ويبقى السؤال للشعوب العربية النائمة :
متى ننهض من سباتنا ؟
ومتى نستعيد أمجادنا القديمة ؟
ومتى نقتفي أثر أجدادنا العظام ؟
ومتى يتحرر قادتنا من عقدة التسلط على رقاب الناس ؟
ومتى يكونوا صادقين في رسم خطواتهم الصحيحة نحو تطبيق الحد الأدنى من مبادئ العدالة والإنصاف ؟
ومتى نسير على النهج الذي رسمه أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب ؟
متى ؟ , ومتى ؟ ، ومتى ؟ .
والله من وراء القصد