منذ أوّل خطاب أسبوعي للمالكي، قلت إن الرجل غير مهتم بتوضيح ما يجري في العراق، ولن يُطلع الشعب على التطورات الأمنية، ولن يكون خطابه إلا دعاية انتخابية، وسيراً على منهجه بتوزيع اتهاماته، غيرالموثقة، على خصوم سياسيين يزداد عددهم عند كل خطاب جديد؛ فخطاب رئيس مجلس الوزراء، الاسبوعي، لم يتبدّل، ولم يتطوّر، وسوف لن يحصل ذلك بالتأكيد. فهذا الرجل مشغول بكيل التهم لخصومه ومحاولة إبعاد التهم الموجهة اليه. وهو أيضاً، لا ينفّك يبرر أزمات البلد، عبر مقارنته بدول الجوار التي لا تنتهي.
السيّد المالكي، في خطابه هذا الأسبوع، عاد ليؤكد، بما يشبه النكتة السمجة، أن بعض معارضيه مسؤولون عن إغلاق المجاري وتفاقم أزمة الأمطار، ورمى باللوم على بعض البلديات والدوائر المسؤولة، وبالتأكيد، كان للبعث وصدام حصتهما المعتادة من هذه الاتهامات، وكانت تهمتهما هذه المرة، أنهما تركا البناء وانشغلا بالعسكرة والحروب.
لكن، لنعيد قراءة الخطاب من جديد، أو بتعبير أدق: لنعيد قراءة تبريرات المالكي.
أولاً، إن اتهام الخصوم بسد المجاري، يمثّل إعلان إفلاس من طموحه بولاية ثالثة، ومحاولة فاشلة لاستدرار عطف الناخبين من أجل الحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، تلك الاصوات التي انسابت من بين كفي رئيس الوزراء وائتلافه. لكن هذه التهم في المحصلة لن تقنع طفلاً في المرحلة الابتدائية من تعليمه.
ثانياً، لجهة أمانة بغداد، فإن أمينيها، السابق والحالي، هما من المقربين من المالكي، واستماتة ائتلاف دولة القانون بالدفاع عنهما، وعن عملهما، يضعه في موقع المسؤولية كاملة، ويصادر منه فرصة رمي اللوم على خصومه. أما المدلل صلاح عبد الرزاق، المحافظ السابق، فقد استقتل المالكي لإبقائه في منصبه، ما يعني أن رئيس الوزراء مشارك في هذا الفشل، ومصر على استمراره من خلال الاصرار على بقاء رموزه في مناصبهم "الحاج عبعوب إنموذجا". لذلك فان على المالكي أن يحمل عبء الفشل على اكتافه ويعترف به أمام العراقيين، عسى أن يغفروا له.
ثالثاً، يعرف البعيد عن السياسية، قبل القريب منها، ان حزب البعث موضوع انتهى، وهو مفلس الآن، وكوادره تبحث عن مأوى بعد أن حلّت الفوضى في اليمن وسوريا. أما مسألة رمي اللوم على البعث في تخريب البلد قبل 2003، فأصبحت حجّة باطلة، لاسيما بعد مرور 11 سنة على الإطاحة به، والمالكي نفسه تسلّم ولايتين من بعده، ما يعني 8 سنوات، وكان يجب أن يقلب فيها الأوضاع الخربة في العراق رأساً على عقب، لو كان بالفعل ينوي أو يريد فعل ذلك، كما فعل قادة دول تخلّصت من دكتاتورياتها وحروبها الأهلية.
وهنا لنتذكّر، فور سقوط نظام صدام حسين، كان العراقيون يحلمون بإقامة دولة تتخطى في تطورها نموذج دول الخليج، وتقترب من نموذج الأنظمة الأوربية، من حيث الرخاء والصناعة والتأمين وحقوق الإنسان وحرية التعبير، لكن المالكي ومن سبقه، ظلّوا أسرى نموذج دول الخليج الريعية، وهم لا يفكرون ولا يتصورون العراق في موقع أبعد من ذلك. والمشكلة أن هؤلاء السياسيين -المالكي ومن شابهه- ليسوا طموحين، ولا يعملون أصلاً على تعدّي النماذج السياسية الموجودة في المنطقة، وهم لا يستمعون إلى طموحات العراقيين ولا يوظفون امكانياتهم وكفاءاتهم في عملية إعادة بناء جادة. وفي آخر الأمر، جعلوا من العراق دولة ريعية متخلّفة، لم تقترب لا من نموذج دول الخليج، ولا من النموذج الأوربي.
مقالات اخرى للكاتب