وحل بداية أمطار الخريف تجثم على شوارع بغداد وتغزو بعض بيوتها الذي غادر أمان العيش أهلها منذ أن تم اختطاف العراق من قبل حفنة اللصوص والفاشلين من أمراء الطائفية وتجار الدم. وحل الطائفية السياسية التي انتجت محاصصة مقيتة أدت الى تقاسم ثروات العراق، هي التي حولت نعمة السماء المتمثلة بالمطر الى نقمة متمثلة بالوحل الذي يعيق حركة الناس، والسيول التي التهمت مقتنياتهم المنزلية وخربت ما عكفوا على بنائه منذ سنوات. وبدل صلاة الاستسقاء التي يلجأ اليها المؤمنون لرجاء الله ان يبعث اليهم بنعمة المطر، سيلجأ العراقيون الى اكتشاف صلاة أخرى قد تسمى صلاة "الجدب"، فقد يستجاب دعاؤهم ويوقف الله هطول المطر على بلد تحولت فيه حتى نعمة الله الى غمّة، نتيجة فساد وفشل قادته السياسيين.
المنافقون من هؤلاء السياسيين، وما اكثرهم، زاروا بعض المناطق المنكوبة، وخاضوا مع أهلها في الوحل بهدف الحصول على بعض اللقطات التي تصورهم مع الناس وهم يعتقدون انها ستنطلي على البسطاء من العراقيين، وتقنعهم ان هؤلاء يعيشون همومهم ويشاركونهم أتراحهم قبل أفراحهم. انها دعايات انتخابية رخيصة لم تعد تنطلي حتى على هؤلاء البسطاء الذين يعوّلون على أصواتهم. ولعل واقعة حي أور التي طردت فيه جماهير غاضبة أحد أعضاء مجلس محافظة بغداد من دولة القانون، بعد تدمير سيارات حمايته ورجمه بالحجارة، لعلها خير دليل على ان الناس فقدت ثقتها بكل الوجوه الكالحة المتربعة على قمة المشهد السياسي.
نكبة المطر الأخيرة التي اجتاحت العراقيين، أثبتت ان الكتل السياسية جميعها، ودون استثناء، لم تفشل في التخطيط لقيادة البلد كما يعتقد معظم المحللين والمتابعين، بل انها تخطط للفشل بعناية فائقة. ولم يعد مقنعا القول ان الفساد الاداري والمالي هو السبب الحقيقي الذي يقف خلف النكبات والأزمات وتردي الأوضاع الأمنية والخدمية، كما تروج لهذا بعض الصحف والفضائيات. بل أصبح من الجلي الآن ان من يقود البلد هم حفنة من الفاشلين الذين لا يصلحون لقيادة قطيع غنم في يوم مشمس. وهذا هو السبب الحقيقي الذي يقف خلف جميع النكبات والازمات. إذ كيف يمكن قراءة موقف المالكي المتناقض من ملف الكهرباء حد الدهشة؟. فهو يعترف قبل شهرين بفشل وزارة الكهرباء، وان وزير الكهرباء ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة قدما له أرقاما ومعلومات مغلوطة عن ملف الكهرباء، لكنه قبل يومين يفتتح محطة الزبيدية للطاقة الكهربائية ويزف بشرى الاكتفاء الذاتي من الطاقة للعراقيين. هل ثمة مهزلة أكبر من هذه المهزلة؟. وهل ثمة فشل أوضح من هذا الفشل؟.
وسوى المالكي، خلف ظهر العراقيين الف مالكي. أعضاء مجلس النواب يتهم بعضهم البعض بالنهب وملفات الفساد ودعم الارهاب. ووزراء الحكومة كذلك. اللغة السائدة بين هؤلاء الساسيين أقرب الى لغة المقاهي منها الى لغة النخب السياسية والاعلامية.
في آخر صولات التنابز بين النواب ما حصل بين النائبين حيدر العبادي القيادي في حزب الدعوة وحسن العلوي المنتقل من القائمة العراقية نحو المجهول، العبادي يتهم العلوي بالمهرج، والعلوي يتهم العبادي ببائع الفلفل ويتهم رفيقه في الحزب عدنان الاسدي الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية ببائع البصل. ومع احترامي لكل المهن واصحابها، فهم يعيلون اطفالهم وعوائلهم بكد مشرف، لكنني اتساءل، ما هو مستقبل بلد تتكون سلطته التشريعية والتنفيذية وقياداته الامنية من مهرجين وباعة فلفل وبصل؟.
انه وحل الديمقراطية الذي سوقته لنا دولة البصل.. فهنيئا للعراقيين.
مقالات اخرى للكاتب