هربرت سبنسر عالم بريطاني عاش في القرن التاسع عشر الميلادي (1820-1903).من عائلة أرستقراطية متعلمة ومثقفة. يعتبر الرجل من جيل الفلاسفة في عصر الأنوار،الذين رسموا لحياة الشعوب الاوربية مستقبلهم لأخراجهم من عصور الظلام في العصور الوسطى الى عصر الحضارة والتقدم .
ويقابله في تراثنا الاسلامي الشيخ الرئيس ابن سينا(370- 428للهجرة) ،عالم وطبيب مسلم فارسي الأصل، ترك في خزانة كتبه ما تركته أنامله التي سجلت فكره الحكيم كمفكر اسلامي انساني كانت دعوته موجه لعصر الانوار الذي تفتح في العصر البويهي من عمر الدولة العباسية.
سبنسر في فكره يتساوى مع دارون في نظرية النشوء والارتقاء التي حاول نقلها وتطبيقها الى علم الاجتماع،وله توجهات نادرا ما فكر بها غيره من مفكري عصره حين قال : ان التقدم يكمن في التغير في البناء الداخلي للمجتمعات وليس في الأفراد او الجماعات ،،وهو الذي نادى بفكرة نظرية تقسيم العمل بين افراد الجماعات، حتى تحولت الفكرة الى نظرية في الاقتصاد ونادى بان التحولات الكبرى سوف لن تتحقق الا على أيدي اصحاب الحكمة الجماعية في المجتمعات،حين يتحول المجتمع الى منتجين ومستهلكين وموزعين لنعمة الخير والتقدم .
ويتشابه الرئيس ابن سينا مع هربت سبنسر حين يقول : ان المعرفة لها جوانب متعددة في فائدة المجتمع،وان كثيرا من اشكاليات الناس تحل بالفكر الهادىء الناضج باطنا وظاهراً،فكلاهما لا ينقطعان عن العلم الانساني المجتمعي لنهضة الشعوب. لذا فقد تعددت توجهاته العلمية والفلسفية بين الأشكاليات المستعصة في تفسير المجتمعات ، وعلوم الرياضيات التي عدها أم العلوم،وانحى نحو الفلسفة العملية التي دون فيها كل رسائله العلمية النافعة في خدمة المجتمع.
نادى هربت سبنسر بضرورة ايجاد القوانين الموحدة الاجتماعية التي تطور النظم السياسية والاجتماعية التي تؤمن المساواة والعدالة الاجتماعية التي بها يسود الاعتدال وتستقر النفس الانسانية ويموت التطرف ، حين ينشأ عند الناس الاحساس بالعدالة الاجتماعية وتوحيد القوانين وحسن التقدير للتنفيذ ، وهذه الافكار الانسانية استمد منها كارل ماركس الكثير من أفكاره الأشتراكية ، وتوسع فيها املا ان تتلاشى الحكومات نتيجة لظهور مبدأ الحق والعدل لرقي الانسان والجماعات في المجتمعات الانسانية فتظهر اخوة الناس.
وقد تشابه مع ما كتبه ابن سينا في اجمل الفصول والمختصرات من الوجهة الفنية والعلمية التي اثارت الاعجاب والدقة في تصويرها وخاصة في مواجهة الحقوق معتمدا على النص الالهي : اذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل"، والنص الاخر الذي يقول : يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعا رفوا ان اكرمكم عندالله اتقاكم. اي احسنكم في تطبيق عدالة الأنسان على الارض.ويعتقد هذا الفيلسوف الاسلامي الكبير بوحدة الانسانية في الحقوق ، و يعتقد أيضاً ان التشريعات وجدت لمراقبة السلطة لوضعها في خط الاستقامة وليس لقيادة الشعوب بقوة القوة التي لا تنفع .وهنا يتشابه الشيخ مع سبنسر في التصور المجتمعي وكيف.يجب ان يكون .
ويقول سبنسر ان على الحاكم ان لا يفكر بوسائل العقاب والثواب وأستغلال الموارد له ولأصحابه قدر تفكيره باعمال الأنسان التي تصل به الى مرتبة الكمال في المجتمع .وهنا نستطيع ان نصف افكاره بالداروينية الاجتماعية التي خلفها العالم العظيم دارون في العلم الاجتماعي . وكان الرجل من المعجبين بالنظام الانكليزيالديمقراطي في حكم الدولة، لذا طالب بتطبيقه في اوربا .ولقد انتقلت نظريته الانسانية الى بني عصره ليزرع فيهم الاعتدال والحقوق والمحبة الاجتماعية ويبعدهم عن التطرف في القول والعمل ،ونبذ المال الحرام الذي هو اصل كل سوء وداء.
ويشارك الرئيس ابن سيناء هذا المفكر الكبير بجعل الفلسفة الانسانية عامة للجميع للوصول الى مرحلة الاستقامة التي توصله الى مرحلة الكمال وفة النفس والترفع عن الصغائر. لذا سمى كتابه بالشفاء تيمناً من شفاء الانسان من كل داء.والداء هنا من وجهة نظره هو داء العقل لا داء البدن لإن العقل هو المفتاح لكل خير وتقدم.
وفي الختام نقول ان الأثنين قرررا في أذهان الناس ان التقدم ضرورة، والحقوق ضرورة مجتمعية بين الناس ، وان الحياة لا تجري عبثاً، بل تسير على قوانين ،والقوانين بحاجة الى مؤمنين بها في التنفيذ.ورغم ان البشرية الى اليوم لم تصل الى قوانين تحكم سير الاحداث التاريخية كما كان التصور، ،لكن مجرد التفكير بها في ذلك الزمن المتقدم يعتبر في ذاته أمر مشكور.
ويبقى ان نقول اذا كان العلماء والفلاسفة هكذا كانوا يفكرون منذ ذلك الزمن المتقدم فما عسانا ان نكون نحن اليوم. بعد كثرت الموارد وزادت النفوس وتشعبت الاشكاليات داخل المجتمعات الانسانية،أما يجدر بنا ان نسير على نهج الصالحين...؟
مقالات اخرى للكاتب