الكبد اساس بهجة الحياة
(وهي حملة تؤشر الخطر المستشري في المجتمع وهو مرض تليف الكبد اسبابه وطرق علاجه وسبل الوقاية منه.....
ويبقى المريض المصاب.........ينادينا بصوت عالي .....
اعيدوا لي كبدي......)
عباس شاب جميل في غاية كمال الاخلاق وحسن التعامل مع زبائنه من اصحاب السيارات فهو مكيانيكي سيارات (فيتر) ماهر ومتمكن في مجال عمله فلذلك يكون محله مزدحما دوما ويكثر عليه الطلب كان دائما يقول لي دكتور (ترى اني شاطر كنت في المدرسة وكنت دائما من الاوائل) ولكن ظروف وفاة والدي المبكرة وترك في رقبتي اربعة من الاخوات الصغيرات واخوين في المدرسة وامي المثقلة بالهموم وخصوصا لم نكن نمتلك منزلا حيث كان نسكن في بيت صغير مؤجر في كمب الارمن القريب من الشيخ عمر وساحة الطيران جعلني اترك الدراسة ونزلت الى سوح العمل مبكرا وهكذا عملت عامل عند فيتر ارمني مشهور في الشيخ عمر وكان روؤفا ورحوما معي نتيجة تفهمه لظروفي الحياتية وان في رقبتي عائلة بحاجة الى مصروف وايجار وهكذا بداءت اتمكن من عملي وكنت محط اعجاب الاسطة الارمني الذي كان يقول لي ضاحكا وهو ينفثث دخان سكائره في وجهي عبوسي انت اسطة من بطن امك وهو يقهق ضاحكا وهكذا كان العمل ياخذ كل وقتي ولكني رغم ذلك اشعر بسعادة وانا اوفر لاخوتي واخواتي مصاريف دراستهم وكان يوم فرحي الاكبر هو شرائي لهم مسكن بسيط في نفس المنطقة بمعونة اسطتي واصدقائي وهكذا كان ضغط العمل يحتم علينا يوم الخميس السهر في احدى بارات البتاويين وهكذا كان الكاس الاول من العرق في حياتي وهو يقول ذلك ودموع عينيه ترقرق على وجنتيه المشعة احمرارا مصحوبة بحرقة الروح وهكذا دكتور كلما تقدم بي العمر ولم يعد الكووس القلية تبهج الروح او تواسيها فبعد كنت اشرب يوم في الاسبوع تحول شرب العرق يرافقني يوميا وهكذا كبر اخواني واحدهم اصبح ضابطا طيار واستشهد في احدى المعارك الجوية في حرب 1991 الخليج الثانية وزاد هذا من همي وحرقة روحي وبقى كاس الخمر يسليني وكما يقول الشاعر الاموي مسلم ابن الوليد:
أديرى عَلى الراحِ ساقِيَةَ الخَمرِ
وَلا تَسأَلينى وَاِسأَلى الكَأسَ عَن أَمرى
وحالي يردد معه......
وما العيشُ إلا أن ترُوحَ مع الصِّبا
وتغدو صريعَ الكأسِ والأعينِ النجلِ
وهكذا دكتور بعداربعين سنة من العمل ورفقة الكاس مع وحدتي وانا احاول رد فضل ابي وامانته التي طوقتني في باكورة حياتي وقد نجحت فيها كما اعتقد الى ان احسست بخدر في الاطراف وتنمل وعدم السيطرة على البراغي الصغيرة التي كانت تتراقص بين اصابعي وكان زبائني يقولون لي عباس انت سيد ووجههك منور وانا اضحك....
قلت له نعم ان الادمان الكحولي وتاثره على الكبد يعطي حمرة مشربة على الوجه نتيجة ازدياد تركيز هرمون الكورتيزن وهذا مانطلق عليه مرض كيوشن الكاذب (pseudo cushion) وذلك لان احدى اهم وظائف الكبد هو التعامل مع الهرمونات المفرزة في الجسم وتفكيكها بعد اداء واجباتها الايضية عبر سلسلة من الاستقلابات والتفاعلات في الكبد وان شرب الكحول يتعارض مع هذه الوظيفة لانهن يتداخلن مع أنزيمات الإنسان الخاصة بأيض الأدوية وهي سايتو كروم (سايتو كروم ب 450) هذا الانزيم مسؤول عن نزع سمية بعض المواد الغربية التي تدخل الجسم ويحولها إلى مركبات ذائبة في الماء يستطيع الجسم أن يتخلص منها بسهولة.
(سايتو كروم ب 450) وهو القناة الرئيسية في الكبد لاستخلاص الادوية وتفاعلاتها والتخلص من السمية الكحولية وتحويل الهرمونات فمثلا ان احدى اهم علامات مريض تلف الكبد الاولية والمبكرة هو فقدان الاحساس باللذة الجنسية (lipido)وايضا بفقدان الاحساس بالنوم والنعاس بين النهار والليل وهو نتيجة اضطراب ايض الهرمونات في الكبد فمثلا ان هرون الاستيروجون والبروجستيرن يتاثر بتلف الكبد والعملية الايضية مما يؤدي الى تاخر تحوله الى الهرمون الذكري الاندروجين وهنا يحدث لدى الرجال تضخم الثدي من العلمات المبكرة ايضا والضعف الجنسي وذلك بسبب تقلب مستويات هرمون التستستيرون (الذكري) وانخفاضه ، الامر الذي يتيح لهرمون الاستروجين (الانثوي) الموجود في دم الذكر أن تُظهر تأثيرها على الثدي وعلى احالة الجنسية للرجل مثل الانتصاب والقذف,
ان الكبد هو العضو الاساي في التعامل مع الدهون في الجسم وبعد امتصاصها من الامعاء والتعامل معها عبر الكثير من العمليات الاستقلابية تدخل فيها الكثير من الانزيمات الكبدية وكما معلوم ان كل غرام من الدهون يعطينا تسع سعرات حرارية وهي طاقة عالية ومهم للخلية الانسانية كما تعتبر الدهون احدى المصادر الرئيسية للهرمونات المختلفة في الجسد وخصوصا البروستوكلاندين المهم في الحفاظ على نظارة الاوعية الدموية والاجسام المناعية المضادة وهكذا احدى الامراض الناتجة للكبد قبل تشمعه او تلفه ما يسمى بالكبد الدهني هو حالة غير نهائية قابلة للشفاء ثانية حيث تتجمع حويصلات كبيرة من الدهون الثلاثية في داخل خلايا الكبد عن طريق عملية التشحم وانحلال الدهون (أي تراكم الدهون غير طبيعية داخل الخلية). وعلى الرغم من وجود أسباب متعددة لهذا المرض يمكن اعتباره أحد الأمراض التي تحدث في جميع أنحاء العالم بسبب الإفراط في تناول الكحول, وأيضا أولئك الذين يعانون من السمنة المفرطة (مع أو بدون آثار مقاومة الانسولين). كما يرتبط مع الأمراض الأخرى التي تؤثر على عملية التمثيل الغذائي للدهون. ومن الصعب شكليا التمييز بين الكبد الدهني الناتج عن الإفراط في الكحول، من الكبد الدهني غير الكحولي، فكلاهما فيه تغيراتٌ حويصلية دهنية كبيرة وصغيرة في مراحل المرض المختلفة.
وقد يصاحب تراكم الدهون التهاب تدريجي للكبد (التهاب الكبد) ،يسمى التهاب الكبد المصاحب للتدهن. ويمكن تصنيف المرض من حيث تناول الكحوليات إلى تدهن الكبد الكحولي(AFLD) أو غير الكحولي (NAFLD)، وأيضا إلى اكثرالأشكال حدة كمافى التهاب الكبدالمصاحب للتدهن بسبب الكحول (كجزء من امراض الكبد الكحولية) والتهاب الكبد الناتج عن سبب اخر غير الكحوليات (NASH).وهو تغير لانهائي يمكن الشفاء منه و اعادة نظارة الكبد الى وضعيته الطبيعية وكفائته الوظيفية عبر التوقف عن احتساء الكحول وتغير الانماط التغذوية والسلوكيةوتناول العلاجات المساعدة على خفض الدهون الثلاثية.
هنا انبرى اسطة عباس مريضنا او عبوسي كما يحلوا لمعلمه الارمني مناداته ان بغني لنا بصوت جميل من شاعره المفضل مسلم (صريع الغواني) هذه الابيات:
إِن كُنتِ تَسقينَ غَيرَ الراحِ فَاِسقينى
كَأساً أَلَذُّ بِها مَن فيكِ تَشفيني
عَيناكِ راحى وَريحانى حَديثُكِ لى
وَلَونُ خَدَّيكِ لَونُ الوَردِ يَكفينى
إِذا نَهانِيَ عَن شُربِ الطَلا حَرَجٌ
فَخَمرُ عَينِكِ يُغنينى وَيُجزينى
لَولا عَلاماتُ شَيبٍ لَو أَتَت وَعَظَت
لَقَد صَحَوتُ وَلَكِن سَوفَ تَأتينى
أَرضى الشَبابَ فَإِنَّ أَهلَك فَعَن قَدَرٍ
وَإِن بَقَيتُ فَإِنَّ الشَيبَ يُسلينى
واضاف مرتجلا
طبيب كبدي محترقا الما
وروحي معطاء
جسمي انهكه التعب والسهاد
تورم الساقين واستسقاء بطني
سكرة انخافض السكر انهكتني
جعلتني احلم بالموت وعذاب القبر
انت محب ودوائك لم يكفي علاجي وارتياحي
فهل لديك حلا اخرا يشفيني
يعيد بهجة انسان يأس الحياة
قلت له نعم ان في زرع الكبد من واهب قريب لك تعطينا بارقة امل في حياة جديدة وتعيد البهجة الى روحك المعطاء المضحية
وبعد اكمل الفحوصات والاستحضارات ذهب الى احدى مستشفيات لبنان مع اخته الصغرى وهي فرحة مستبشرة بتبرعها الى جزء من كبدها الى اخيها المعطاء لترد له جزء من فضله وتضحيته لكي يعيد حياته الجديد بعيدا عن الخمر وفي بهجة روح متجددة في ظل الله الواحد الاحد
ان الكبد هي مصدر البهجة والاشراق لوجوهنا فلنحافظ على اكبادنا بالامتناع عن الخمر والمسكرات الحارقة للكبد لكي تبقى اشراقتنا مستمرة مع شمس الله في سمائه.
وما زال عبوسي يطرب وهو يمشى على شارع ابو نؤاس القريب من بيتهم وهو يردد اغنية صباح فخري ........
خمرة الحب اسقنيها هم قلبي تنسينيه
عيشــة لا حب فيها جدول لا ماء فيه
ربــة الوجــه الصبــوح أنت عنوان الأمل
أسكري باللثم روحي خمرة الروح القبل
إن تجودي فصليني أسوة بالعاشقين
أو تضنّي فاندبينــي في ظلال الياسمين
ويذهب بعدها الى المسجد القريب لاداء الصلاة والشكر لله الواحد الاحد على عدم ضياع جهده وكفاحه في تربية اخوته وهو ينعم بصحة جيدة ووجهه منيرا بحمرته المشربة.
مقالات اخرى للكاتب