حين اُعتقلت في شهر تموز/يوليو من عام 1978 من قبل أجهزة الدكتاتورية الغاشمة ببغداد ووضعت في زنزانة انفرادية، ثم جرى تعذيبي بوحشية من قبل قوى الأمن في مديرية الأمن العامة في البتاويين. وبعد مرور أسبوعين تم أطلق سراحي وأحلت على التقاعد بدون تقاعد. بعدها أعلن عن تقديمي لمحكمة "الثورة" بسبب إهانتي للثورة ومجلس قيادة الثورة، ولكني كنت قد غادرت العراق إلى الجزائر للتدريس في جامعتها. بعد إطلاق سراحي حضرت اجتماعاً للمكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي لأتحدث لهم عما جرى معي في المعتقل. قلت لهم بصراحة ووضوح بأن "لم تعد هناك لحية مسرحة مع هذا النظام الدكتاتوري، وعلينا أن ننهي الأمر بأسرع ما يمكن". وكانت بداية النهاية في علاقة الحزب الشيوعي مع حزب البعث ومع الحكم والنظام.
واليوم وبعد أن قرأت خبر الاعتداء الغاشم والآثم على الشاعر العراقي المميز عبد الزهرة زكي ومحالة الشرطة الإساءة إليه، أدركت أن لم "تعد في العراق لحية مسرحة" تماماً كما قدرت ذلك مع نظام الدكتاتورية البعثية وصدام حسين. فها نحن أمام دكتاتورية حزب الدعوة الإسلامية والدكتاتور نوري المالكي. وقبل هذا أُجبر المثقف العراقي البارز والشخصية القومية الديمقراطية الدكتور غسان العطية أن يترك العراق على عجل، بسبب إبلاغه أحد أمرين من قبل جهاز المخابرات العراقي الذي يهيمن عليه وعلى بقية أجهزة الأمن والمخابرات وجواسيس العراق رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، إما المغادرة أو الاعتقال في جحيم النظام الطائفي الجديد. وقبل ذاك قامت أجهزة نظام المالكي بالاعتداء على مقر اتحاد الأدباء والكتاب في العراق أكثر من مرة، كما جرى الاعتداء على جريدة ومؤسسة المدى البغدادية، كما قتل الصحفي والكاتب هادي المهدي دون أن يعلن عن قاتله، وقبلها قتل الصديق والمناضل الشيوعي كامل عبد الله شياع دون أن يعلن عن قاتله!
لقد صرح الشاعر والكاتب والشخصية الوطنية عبد الزهرة زكي حول الحادث الوقح الذي تعرض له صباح هذا اليوم بما يلي: " إن "شرطيا نزقاً ساعده ضابطان أكثر نزقاً منه، وجميعهم بعمر أولادي، لم تكن من مهمة يقومون بها سوى الإذلال والاعتداء وحتى رفع الأيدي في محاولة منهم لتطوير المشكلة إلى عراك، تفاديته احتراما لنفسي في مكان عام".. ثم واصل قوله: إن "بلدا كهذا لا يستطيع فيه إنسان مثلي الاطمئنان ليس على حياته فحسب، وإنما حتى على كرامته، لا خيار سوى الكف عن كل شي. سأعتكف في بيتي، سأتوقف عن الكتابة نهائيا، سأنهي علاقتي بعملي، سأنتظر الموت أو أغادر البلد في أية فرصة، وهو الخيار الوحيد الذي يقبر فيه الإنسان نفسه ويقبر معه كرامته حتى لا يلوثها سفهاء وجهلة". علينا أن نتذكر قول الشاعر:
إذ كان رب البيت في الدف ناقر فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
إن ما حصل للشاعر عبد الزهرة زكي هذا اليوم يمكن أن يتكرر مع مثقفين آخرين، كما حصل قبل ذاك حين اعتقل الكثير من الكتاب والصحفيين وأهينوا وعذبوا من قبل أجهزة المخابرات والأمن والقوات الخاصة التابعة لرئيس الحكومة.
أني أتوجه إلى كل مثقفي ومثقفات العراق إلى شجب وإدانة هذا الفعل الجبان والمزري من جانب شرطة النظام والمطالبة بالاعتذار للأخ الشاعر ومحاسبة هؤلاء الذين لا يمكن أن يكون تصرفهم بعيداً عن الحزب الحاكم أو رأس الحكم ذاته أو من يحيط به وأجهزته.
إن واجبنا الإنساني والأخلاقي يتطلب منا جميعاً إعلان تضامننا مع الشاعر عبد الزهرة زكي، وإن لم نفعل فسيأتي هؤلاء المشوهون للإساءة إلى كل مثقفي العراق ومثقفاته واحداً بعد الآخر.
مقالات اخرى للكاتب