من الثروات العراقية المهدورة دائما، جيوش الكفاءات والكوادر العراقية الموزعة على أصقاع الارض، فالعراق عرف منذ تأسيسه بأنه طارد لكفاءاته وعقوله. وفي كل مرحلة تجد جيشا من الكوادر يغادر العراق هاربا من الملاحقة السياسية، وكثير ممن درسوا في إطار البعثات الدراسية بقوا في الخارج. أينما تذهب تجد بصمات واضحة لخبراء عراقيين. عشرات الآلاف تدرجوا بدراستهم لأعلى المستويات وتبوأوا أعلى المواقع في مؤسسات وشركات وحكومات. يجمع بين هؤلاء أنهم بغالبيتهم لا يزالون على حبهم لعراقهم، تسمع منهم الكلام الكثير عن الرغبة في تقديم ما حصلوا عليه من خبرات الى العراق. يتحدثون عن مكامن الخلل الحالي في الوضع العراقي وعن حلول يملكونها للمساعدة.
كيف يمكن لهؤلاء خدمة بلدهم العراق؟
من السذاجة قول البعض ان العراق مفتوح أمامهم وان عليهم العودة والعمل في العراق، فلكل من هؤلاء ارتباطاته المهنية والعائلية الناتجة عن إقامته الطويله، وليس من السهل على أكثرهم العودة. على أن بعضهم جرب العودة إلاّ أنه عاد أدراجه بعد ما رأى من مضايقات ومحاصرة وطعن بالظهر لمنعه من العمل والبقاء. السؤال هنا هو: هل عودة هؤلاء هي الطريق الوحيد لخدمة بلدهم؟.
قبل سنوات قام العالم العراقي جراح الاعصاب المعروف الدكتور عبد الهادي الخليلي بجمع المئات من هؤلاء المقيمين في الولايات المتحدة ومن جميع الاختصاصات العليا، في الطب والهندسة والادارة والتخطيط والمالية والاقتصاد والقانون وباقي العلوم الانسانية، في مؤتمر عقد في واشنطن اتفقوا فيه على تأسيس لجان تخصصية في جميع مجالات تخصصهم، تقوم بالتواصل مع لجان نظيرة لهم في العراق تتولى تشكيلها وزارة التعليم العالي لنقل خبراتهم وحصيلة تجاربهم الى الساحة العراقية. تحدثت الى بعضهم آنذاك فكانوا شديدي الفرح بأنهم سيقدمون خدماتهم لبلدهم. لكن هذا المشروع جرى وأده في بغداد على يد من لا يريدون خيرا للبلاد، ما شكل صدمة وخيبة أمل لأصحاب المشروع الذين بادروا الى خيار آخر هو تأسيس منظمة أكاديمية تنتظر تعاونا رسميا من الجانب العراقي لتقديم خدماتها لدعم وتطوير التعليم العالي العراقي.
وحيث ان العراق اليوم يعيش أزمة على كل المستويات، وهو بحاجة الى الخبرات المتطورة للخروج من واقعه، فانه لا يجوز استمرار التفريط بالكوادر العراقية التي تغطي خارطة العالم.وفي ظل التطور التكنولوجي اليوم، لم تعد للمسافات قيمة، فحين يتم إجراء عملية معقدة يشارك فيها أطباء من مختلف العالم كل من مكانه وعبر دائرة مغلقة، وحين يصبح بإمكان عالم في مكان ما إيصال محاضرته مباشرة الى ملايين الطلبة والدارسين في شتى انحاء العالم، فان الافادة من الخبرات العراقية في الخارج يصبح من السهولة بحيث يعد التفريط بها إجحافا للبلاد وحرمانا لهؤلاء من المساهمة في بناء بلدهم.يحتاج الامر الى هيئة او لجنة عليا بصلاحيات خاصة، تتولى إدارة هذه العملية.
مقالات اخرى للكاتب