منذ فترة طويلة لم تستعد بغداد عاصمة العراق الحبيبة شيئا من عافيتها بعد سلسلة انقلابات وحروب وبؤس طافح الى العيان على جدرانها الحزينة، ومنذ العام 2003 حتى الان مرت على بغداد ستة حكومات تختلف فيما بينها كثيرا لكنها تتفق جميعا على الاهمال المتعمد للبناء والاعمار!
دمعت عيون بغداد وتهرّأت زينتها البالية، ليس فيها عمران يشد النظر، بنيتها التحتية غارقة في القدم، والفوضى غير الخلاقة هي المشهد الاكثر وضوحا في شوارع وازقة العاصمة الحبيبة، ان القوانين العراقية الموغلة في المركزية والتي تراكمت بفعل الارث الدكتاتوري هي الاخرى لم تشفع لاكساء بغداد حلة تليق بماضيها الجميل.
لكن ما سد شيئا من سوءات بغداد تلك التحف والمعالم الفنية الجميلة التي توزعت في العديد من اركان العاصمة،
علها تلبي شيئا من فضول الباحثين عن فسحة من الامل في روائع الراحل محمد غني حكمت، واعمال جواد سليم، خالد الرحال وغيرهم من الرواد والمبدعين في مجال التشكيل والنحت، فالتماثيل والمجسمات فقط ما يحفظ لبغداد شيئا من ماء وجهها المسكوب!
المؤلم ان حتى هذه المعادلة المتواضعة لا تتوفر في بقية المدن العراقية، فليس هناك نصب للحرية ولا مصباح سحري، ليس ثمة كهرمانة، او نصب قديم او جديد للجندي المجهول ولا جدارية مدينة الطب، ولا غيرها من الملامح الفنية الشهيرة في بغداد، ليس هناك جداريات تشعرك بالفخر والاعتزاز، لا في مداخل المدن ولا حتى في شوارعها، الوافدون الى المدن العراقية وهم يقفون امام نقاط التفتيش كل منهم يمنّي النفس بجدارية انيقة او عمل فني اخّاذ يبعده ولو قليلا عن روتين الانتظار الممل جدا!
كم جميل لو عمل السادة الوزراء بخمسين بالمائة من طاقتهم المتواضعة اصلا فيما يتعلق بالبناء والاعمار! ليس من المعقول ان يتعامل كل مسؤول في الدولة بطريقته الخاصة جدا والتي تتعارض بشكل قطعي مع المسؤولين الاخرين! ان كل وزارة تشكو الوزارة الاخرى وكأنها تشكو دولة جارة! ولو اختزلت المعوقات في مناكفات الوزارات المعنية، فيفترض ان تكون طاولة رئاسة الوزراء هي الحل طالما يعمل الجميع في كابينة وزارية واحدة.
المسؤولون في الدولة يحتالون على القانون مع سبق الاصرار والترصد لكنهم يتحولون الى حمل وديع فيما يتعلق بالمشاريع العمرانية التي لها ارتباط بحياة المواطن، يشعرونك بملائكيتهم المفرطة وكيف انهم لا يقدرون على فعل شيء مع وجود قوانين وتشريعات تكبلهم وتحطم كل ما يرومون فعله من اجل الاخرين!
في كثير من بلدان العالم الثالث يحاول المسؤولون جاهدين التركيز على المشاريع العمرانية البارزة والظاهرة للعيان من اجل البحث عن الدعاية الاعلامية قبل كل شيء ولذر الرماد في العيون، في ذات الوقت يتجاهلون البنى التحتية اللازمة والمطلوبة على المدى البعيد! فيما تحاول جماعات الضغط كشف ذلك الخداع والتظليل!
لقد انخفضت سقف مطالبنا لحد اصبحنا نمنيّ النفس باولئك الذي يبحثون لهم عن شأن ودعاية من خلال مشاريع بادية للعيان، ربما من خلال تلك المشاريع نورّي بعضا من سوءاتنا الكثيرة التي تكشفت وتتكشف يوما بعد اخر! في احدى محافظات الفرات الاوسط سمعت كثيرا من الناس هناك يترحمون على محافظ سابق لعجز من اتى بعده في فعل شيء يذكر.. وبالعودة لصاحبنا الاول حسن السمعة ودائما مع المشاريع الظاهرة، فان المحافظ المذكور وبعد خمس سنوات من تسلمه اعلى سلطة تنفيذية في المدينة فإن ابرز ما ترك لمدينته البائسة من انجازات انه استورد لهم مدينة العاب صغيرة ومتهالكة، شخصيا كنت قد زرتها في احدى دول الجوار عام 1994، ثم حالفني الحظ اني زرتها ايضا كمنجز عمراني عام 2010.. في واحدة من مدننا البائسة!
مقالات اخرى للكاتب