خلال الأعوام المنصرمة ومنذ التحول السياسي الجديد في العراق ترسخت كثير من الطباع والصفات والسلوكيات الذميمة وتوغلت في أعماق المجتمع حتى باتت من الأمور الاعتيادية والمتداولة بعد أن أخذت مواقعها الحيوية تتجذر وكل من حاد عنها أصبح من المنبوذين أو المعقدين كونه يسير عكس التيار ولم يتأقلم مع الاحداث التي تضفي عليه كم من منافع ومصالح . فلربما أصبح الكذب والشتيمة والغيبة والنميمة والتسقيط الممنهج من الأمور الطبيعية كما هو الحال مع الفساد المالي المستشري بشكل غريب وتوغله السريع في تعاملات الدولة والمجتمع .
ومما يزيد الموضوع غرابة ودهشة أن الجميع ينادي بضرورة التصدي لهذا المرض العضال ونقصد الفساد المالي الذي ينخر في المجتمع ووجوب محاربته بكل الطرق وإعتماد أي وسيلة ممكنة للقضاء عليه وهذه الأصوات لاتقتصر على فئة معينة من المجتمع وشريحة واحدة بل تكاد تسمعها من الجميع وعلى كافة المستويات وفي كل الأصعدة وتحفل المجالس والندوات والمحاضرات والمهرجانات بهذا الكلام ، وعندما يحمى وطيس المواجهة تكال التهم من هذا الطرف على طرف آخر وجهة على جهة آخرى وشخصية على مثيلتها من الشخصيات وتنتهي كل تلك المواجهات على نفس الحال ولايتغير منه مثقال ، ومما يعلمه أو لايعلمه هؤلاء أنهم جميعاً يتعاملون بالفساد المالي بشكل أو بآخر ولكن كل منهم يعطيه إسماً معيناً وتبريراً متشرعناً ليكون خارج دائرة الاتهام به .
إجمالاً دوائر الدولة العراقية من أعلى المستويات الى أدناها أصبحت متشبعة بالفساد وبهذا النمط وتطفو سياقاتها العملية على إجراءات معينة يكون الفساد المالي أحد أهم مرتكزاتها في التعاملات اليومية والمضحك المبكي لاتقتصر على درجة وظيفية معينة بل تصل الى بواب الدائرة وموظف الخدمة فالأول عن طريقه يسهل دخولك للدائرة ويعطيك خريطة إنجاز معاملتك بأسرع الطرق وأسهلها والثاني يسهل الدخول للمسئول لانهاء المعاملة . أما القطاع الخاص فله أيضاً دوره في الفساد من خلال جملة من الأمور تبدأ من البضائع الخالية من أي مواصفات والمنتهية الصلاحيات وبإرتفاع أسعارها وبالتنسيق مع دوائر الدولة التي تتعامل معها عن طريق اللجان .. وهكذا دواليك في المهن الأخرى وأصبح الأمر واضحاً للجميع وباتت معلنة حتى على المستويات العالمية إذ يتصدر العراق تقريباً قوائم الفساد في العالم المعاصر
ولابد من الإشارة هنا أن الدولة تدار في معظم الأحيان وفي معظم مفاصلها من قبل شخصيات لها إرتباط وإنتماء لدين سماوي حث في تعاليمه الأخلاقية على أمور مهمة وحساسة ومركزية أحد أعمدتها الأمانة والإخلاص والجهاد في سبيل الحفاظ على المال العام ، وواقع الحال هؤلاء الصفوة هم المتربعون الأوائل على سلم الفساد في المرحلة الحاضرة وهم من كان في جميع المحافل يعيب على النظام السابق إستهتاره بالمال العام وإستحواذه على مقدرات شعب وثروة أرض ، فما عابوا عليه في السابق تبنوه اليوم بخطى أسرع وأذكى وأدهى
مقالات اخرى للكاتب