الديمقراطية ليست نظامأ ومؤسسات سياسية وأنتخابات دورية وتعددية حزبية وما الى ذلك فقط. الديمقراطية بمعنى أخر لاتقتصر على عملية التصويت وأيصال السياسيين الى دفة الحكم ثم تنتهي كما يضن البعض. ألديمقراطية تعني أيضأ أمكانية المواطنين ومن خلال مختلف القنوات التنظيمية المهنية و السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التأثير بصنع القرار السياسي والتأثير بعمل ونتائج عمل المؤسسات السياسية بما فيها البرلمان حتى بعد ألآنتخابات. الديمقراطية بمعناها اللبرالي هذا لم تتطور ولم يكن لها اي حظوظ بالبزوغ بدون ضعف وأفول سطوة الموسسات الدينية وألآجتماعية التقليدية. لقد كان لهذه المؤسسات دورأ معرقلآ لعملية تطور النظام الديقراطي لفترة ليست بالقصيرة في أوروبا. النظام ألآقطاعي كان المستفيد ألآكبر أقتصاديأ وأجتماعيأ من ألآنظمة الملكية. وألامر نفسه فيما يتعلق بألكنيسة وطبقة رجال الدين التي كانت تبارك الملوك وتعتبرهم ظل الله على ألآرض ومقابل ذلك تتقاسم السلطة مع الملوك وألآقطاع و تتقاضى المال الذي كان يجبى على شكل ضرائب ثقيلة من شرائح المجتمع الكادحة كالفلاحين والحرفيين بدون رحمة ولاشفقة. لآغرابة أذأ قيام ألآقطاع والكنيسة بدعم الملوك بدحر ألآضطرابات والثورات الشعبية بكل دموية. تحالف هذا الثالوث غير المقدس وقوته بدأ ينهار بعد الثورة الصناعية و ظهور قوى وطبقات أجتماعية جديدة و تطور انظمة سياسية تعكس خارطة توازن قوى المجتمعات الجديدة ومن ثم تجريد و الى ألآبد السلطة السياسية من شرعية الكهنوت والصبغة ألآلوهية ونقلها الى رحاب الشعب ... وللقصة بقية!
قبل أيام لمحت في أحدى الفضائيات شيخ عشيرة, أو مستشيخأ, لاأعرف وكيف لي بذلك وأعدادهم أصبحت تتجاوز اعداد اعضاء عشائرهم. يقول هذا الرجل الذي وصف نفسه "بشيخ شيوخ وأمير عشائر ........... في العراق والعالم العربى والعالم" (!) بأن فرض ألآمن والنظام لايمكن أن يتم بدون الشيوخ. وأستطرد الشيخ هذا بانة يطالب بتفعيل قانون العشائر, ويريد أعادة السلطة والصلاحيات التي كان يتمتع بها شيوخ العراق قبل ثورة الرابع عشر من تموز سنة 1958. لاأدري لعل صاحبنا يريد أستعادة الكرباج وأعطائه "حق" فرض الخاوة أو ألاتاوات على الفلاحيين وبناء مخفر خاص به, هكذا وبكل بساطة وفي عصر مابعد الحداثة.
يوجب التنويه بأن أي مطلع لا يستطيع انكار دور العشائر التأريخي في أستتاب ألآمن وألآستقرار ألآجتماعي وبشكل خاص في فترات غياب الدولة او ضعفها. للعشائر دور في تحقيق توازن القوى ألآجتماعية و بالتالي درء الفوضى وألآقتتال وردع الذين يحاولون أستغلال الفراغ ألآمني لآستغلال و أذاء ألآخرين و كذلك قدرتها على حل الخلافات بين المتخاصمين سواء ضمن العشيرة أو فيما بين العشائر في ضل غياب سلطة سياسية مركزية فعالة وأهتراء القضاء وفساده وأنحلال أجهزة الدولة ألآمنية. والعشيرة قادرة على العودة بسرعة وبشكل مذهل ككيان أجتماعي بديل عن الدولة في حالة ضعف أوانهيار ألآخيرة حتى لو كانت تضمن الحد الادنى من حاجات ألآفراد ألآساسية للحماية والدعم. وقد يقول البعض: أليس هذا أفضل من لاشئ؟! أقول نعم, هذا صحيح تأريخيأ, لآن وسائلها وشعائرها وتقاليدها متخلفة قد عفى عليها الزمن ولا يمكن أن تكون بديلا للهوية الوطنية و بديلآ لنظم مدنية عصرية لتنظيم علاقات الناس مع بعضها وحل الخلافات التي تطرأ بينهم. ألمشكلة ايضأ أن العشائر كمؤسسات أجتماعية تؤدي, بسبب قيمها القائمة على العصبية القبلية وأنحيازها التام للمصالح الفئوية والجهوية, الى عرقلة وتعطيل تطور الدولة القومية الحديثة, لآن التطور ألآجتماعي وألآقتصادي ينهي مبرر وجودها وبالتالي الآمتيازات المادية والمراكز ألآجتماعية التي يحضى بها شيوخها.
ماذا يعني أذأ عندما تكون الدولة في منتهى ضعفها كما هي حالة العراق الجديد وعندما يستجير "قادتها" بالعشائر لمساعدتها ببسط ألآمن والنظام؟ ماذا يعني أن تحرض أبناء الوطن الواحد ضد بعضهم البعض وتشتري ضمائرهم للآصطفاف بجانبك ضد ابناء جلدتهم وبالتالي تهديد السلم الاجتماعي ودفع الوطن الى الحرب ألآهلية والى حافة الهاوية؟ ألا يعني ذلك المساهمة مع سبق ألآصرار في أضعاف الدولة وتمريغ هيبتها (أذا بقى لها شيء من ذلك) في الوحل وربما انهيارها وأضعاف الهوية الوطنية لصالح كيانات أجتماعية بالية بديلة؟
مقالات اخرى للكاتب