لم تكن الانتفاضة الشعبانية ولن تكون حدثاً عابراً، في تاريخ العراق الحديث، فلا زالت تداعيتها غضة طرية، في وجدان المنتفضين. لقد انطلقت شرارتها من جنوب العراق، وتحررت فيها اربعة عشر محافظة عراقية، تحدى فيها المنتفضون، الطاغية وحزبة وجيشة وسطروا أروع ملاحم البطولة والفداء. هذا الحدث الجبار كان له الأثر الأبلغ والأعمق في الحياه السياسية العراقية المعارضة، سواء في الداخل أو الخارج، والتي مهدت لعراق ما بعد 2003 . وبهذه الثورة سبق العراقيون جميع الشعوب العربية فيما يسمى اليوم بالربيع العربي.
لقد كشفت الانتفاضة عهر الحكومات العربية، في ذلك الوقت، وكذلك سياسة الكذب وغض الطرف والتضليل التي مارستها الأنظمة الغربية وأمريكا، تلك الأنظمة التي لم تكف يوماً، عن الحديث عن حقوق الإنسان والشعوب في تقرير مصيرها، وإدانة النظم الديكتاتورية، في العالم الحديث، لكنهم صمتوا على المجازر التي خلفها نظام صدام وحزبه الفاشي/ زد الدمار الذي الحقوه بالمدن الثائرة. حيث استابحتها قوات الطاغية فاحرقت الحرث والنسل، وقتلت وشردت مئات الألوف من الأبرياء. لقد استخدم الدكتاتور كافة صنوف جيشه وأسلحته الثقيلة والطائرات الحربية والسمتية والصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً، كل ذلك تحت انظار قوات التحالف الغربي . لقد قمعت الانتفاضة بأبشع الأساليب الوحشية وكان من مخلفاتها مئات المقابر الجماعية التي كشف عنها بعد سقوط النظام الدكتاتوري البعثي.
إن ما يحزن الثوار الذين ما زالوا أحياً يرزقون، يمثلون الذاكرة الحية على كل ذلك، ما يحزنهم وهم يعدون العدة للإحتفال بذكرى الانتفاضة، هو التهميش المتعمد والمستمر والمماطلة، من قبل الحكومة، وعدم اهتمامها بهذة الثورة العظيمة، لا توثيقاً تاريخياً، ولا احتفاءً إعلامياً، رغم أنهم لولاها لما وصلو الى سدة الحكم؛ بل أصبح هم هذه الحكومة، هو التعتيم على الإنتفاضة برمتها، ومحاولة رميها في غياهب النسيان، مع تهميش واسع لأهلها وقادتها وجندها ووقودها بل وباتت تلك الحكومة حجر عثرة في تطبيق أي قانون ينصفهم، وخير دليل على ما نقول، هو المماطلة والتسويف المتعمد، في تطبيق قانون السجناء السياسيين المعدل، والذي أنصف شريحة مهمة من أبناء الانتفاضة، إلا وهم معتقلو محتجزات صحراء الربع الخالي في رفحاء. في حين نراها تصدر قوانين على عجالة وتطبقها في وقت قياسي من أجل ارضاء رموز النظام السابق من بعثيين قتلة وفدائيين مجرمين وضباط جيش أيديهم ملطخة بدماء العراقيين
مقالات اخرى للكاتب