لا ادري لماذا تخبيء الحكومة اسرار المجرمين وطرق قيامهم بجرائمهم عن الملأ والتحجج دائما هو لضرورة سرية التحقيق ولكن السر يبقى مطويا الى الابد مما يشجع الارهابيون بمعاودة افعالهم الشائنة ان كشف المجرمين له ابعاد اجتماعية واخلاقية تساعد في تقليل السير في هذا النهج الاجرامي لما له من مردودات اخلاقية فعندما يكشف مجرم امام الشعب سيكون لسمعته وسمعة عائلته الاثر الكبير لان العائلة والعشيرة ستشعر بالخجل والمهانة جراء فعل هذا المجرم الذي ينتمي اليها وستكون اوضاعهم صعبة امام الاعراف الاخلاقية والاجتماعية ومن هنا وهذا جانب واحد يدعو السلطات الى كشف المجرمين امام الراي العام ففي كل أسبوع تقريباً تعلن السلطات الأمنية عن إلقاء القبض على مجموعات إرهابية وعصابات اجرامية، وبخاصة تلك المسؤولة عن هجمات أو تفجيرات منفردة أو سلسلة هجمات، لكن في مرات نادرة تعرض علينا هذه السلطات التفاصيل الضرورية التي تساعد في تحصين المجتمع ضد الإرهاب وأعمال الجريمة المنظمة، فثمة عملية تعتيم غريبة تجري في هذا الشأن. هذا التعتيم هو جزء من عملية واسعة لا تسمح للرأي العام بالاطلاع على هذه التفاصيل عبر وسائل الإعلام، فحرية تدفّق المعلومات في هذا المجال وغيره مقيدة عملياً. وجرت شرعنة هذا التقييد في \قانون حقوق الصحفيين الذي شُرّع في العام الماضي وكان في حقيقته قانوناً لحماية الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها من حق الصحفيين في الوصول الحر الى المعلومات وحقهم في بث هذه المعلومات أيضاً.ففي بريطانيا ، وكذا الحال في سائر البلدان الأوروبية وامريكا ، ما تكاد تقع جريمة عادية أو إرهابية حتى يتلقى الجمهور كل التفاصيل المتعلقة بها بما فيها مكان وقوع الجريمة ووقتها وشهادات الشهود العيان إن وجدوا والصورة الحقيقية أو المتخيلة للجاني.. ولاحقاً تقدم محطات التلفزيون والصحف برامج وتحقيقات تكشف فيها تفاصيل الجريمة ودوافعها وعواقبها، فيتعلم الناس الطرق والوسائط التي يستخدمها المجرمون لتنفيذ جرائمهم لكي يكون المجتمع على دراية تامة بما حدث ومستعداً للحؤول دون وقوع جرائم مماثلة ومتمكناً من التعاون مع سلطات الدولة لمواجهة المجرمين وملاحقتهم. أما عندنا فان الجرائم، على كثرتها المفرطة، تعامل معاملة أسرار مقدسة ، إذ تُفرض أسوار هائلة عليها وبخاصة الجرائم الإرهابية، إلا في ما ندر وبدوافع سياسية في الغالب، فلا يقول أحد لنا كيف حدث ما حدث و كيف نفذ الإرهابيون جريمتهم ومن أين جاءوا بالأسلحة والذخائر وكيف نقلوها و كيف مرت بنقاط التفتيش التي تحاصر الأحياء والشوارع والناس؟ وأجهزة الإعلام هي الأخرى لا تحصل على المعلومة بسبب هذه السرية على الأرجح لئلا تتابع ما يحدث بالتفاصيل الكاملة، فيبقى الفاعلون مجهولون والفعل نفسه مجهولاً بدرجة كبيرة.. حتى الضحايا الاحياء من مصابين وأصحاب ممتلكات متضررة لا يبالي أحد بهم وبمصائرهم، فتفوت فرص كبيرة لتوعية الناس بالآليات التي يعمل بها الإرهابيون وللتعبئة ضد الإرهاب ومن أجل انخراط المجتمع الى جانب الدولة في مكافحة الجرائم الإرهابية والعادية بدلاً من الأغاني الهابطة وبرامج الحوارات السخيفة التي يعجّ بها فضاؤنا التلفزيوني، بوسع محطات التلفزيون أن تقدم كل ليلة واحدة من الحكايات المأساوية للإرهاب فتهز المجتمع بأسره وتستحوذ على انتباهه كما المسلسلات التركية أو المصرية أو السورية، فمن يقنع مسئولينا ، بأنهم بإستراتيجيهم هذه الخاطئة التي يعملون بها إنما يقدمون خدمات كبرى للإرهابيين والمجرمين بعدم الكشف عنهم وعن تفاصيل جرائمهم المروعة ومتى يدرك المسئولين هذه الحقائق وانهم بعملهم الحالي انما يسلكون نفس سلوك الحكم الشمولي المقبور الذي كان يخفي الحقائق عن الناس لانه كان هو المعادي للشعب ولذلك يخفي جرائمه بدقة واصرار .
مقالات اخرى للكاتب