لا فرق بين قوانين الفيزياء الكلاسيكية والمناورات السياسية من حيث التفسير النظري والنتائج , فمن يقرأ قانون نيوتن (Action and Reaction) , الذي يقول فيه لكل فعل ردة فعل تساويه في المقدار وتعاكسه في الاتجاه , يَكْتَشف ان عمارة اليماني ((من فقهاء وشعراء الدولة الفاطمية في زمن الفائز بن الظافر , مات مصلوبا في مصر على يد صلاح الدين الأيوبي بتهمة الزندقة )), قد سبق نيوتن في عالم السياسة حينما توصل إلى صيغة تحذيرية لردود الأفعال غير محسوبة العواقب , عندما قال :
((ولا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعي من سموم العقاربِ)) .
وعندما نقرأ قانون الجاذبية الأرضية لنيوتن نكتشف ان الإمام الشافعي قد سبقه أيضاً بالتنبؤ بالنهايات المحتومة للطغاة والمعاندين والمجانين والمتهافتين على الكراسي عندما قال :
((ما طار طير وأرتفع إلا كما طار وقع)) .
وسنكتشف في نهاية المطاف ان معظم القوانين الفيزياوية ونتائجها الكارثية المدمرة تنطبق تماما على الأوضاع السياسية المتفجرة في العراق .
وعندما نقرأ الحديث الشريف :
((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة , ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده)) نعلم أن أكثر سياسيي اليوم سيتحمّلون وزر سُننهم وسُنن من عمل بها الى يوم الدين وستكون وجوههم سوداء في صفحات التاريخ .
وبعد هذه المقدّمة نتوصل إلى أن :
(من دعا إلى هدي كان له الأجر , ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم وآثام من تبعه ) , ونتواصل في هذا المشوار لنقف عند الحديث الشريف :
((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) , حتى نكتشف بأنفسنا حقيقة أن من سن سنة طائفية في عالم السياسة فليتحمل نتائجها , وليحصد نتائجها أو من بذر بذرة طائفية بغيضة كان عليه أكل ثمارها .
فما بالك بالذين سنّوا المحاصصة الطائفية وبذروا بذور الانقسام والانشقاق وإمتطوا التناحر الطائفي حصانا جامحا يصولون فوق ظهره في مواسم الانتخابات , وما بالك بالذين مارسوا التهجير القسري للناس ومزقوا نسيجهم الاجتماعي وآمنوا بنظرية من كان شيعيا فليذهب إلى الجنوب , ومن كان سنيا فليذهب إلى الشمال , وما بالك بالذين قتلوا الناس على الهوية وقتلوهم على أسمائهم وألقابهم وقتلوهم على لهجاتهم وملامح وجوههم .
وما بالك بالذين وزعوا دور العبادة على مؤسسات الوقف الشيعي والوقف السني والوقف المسيحي , وما بالك بالذين عادوا بنا في الألفية الثالثة إلى القرن الهجري الأول في سنن سنوها , وخطط خطّوها , ومسارات رسموها نحو خنادق التناحر ومزالق التنافر , فأحيوا الأحقاد المدفونة في كثبان صفين والجمل والنهروان وعادوا بعقارب الساعة إلى الوراء حتى لم يعد وراءنا وراء .
فنبذ فريق منهم كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تَتْلوا عليهم شياطينهم وكأنهم لا يعلمون إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي أنبيائه وأئمته الأطهار , فهؤلاء من ذمهم الله تعالى بكتابه الكريم وقال فيهم : ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)) ، حتى وصلنا إلى اليوم الذي تكاثرت فيه القنوات الفضائية الطائفية وتسابقت فيما بينها في مضمار التضليل والتكسّب السياسي المستمد من ثمار الحراك الطائفي وكلما دخلت أمة لعنت أختها .
فصار الجنون سيد المواقف والفوضى مطيته , وصرنا نتفرج على خيبتهم وخسارتهم وتآمرهم وخبثهم , وندعوا ونقول (( ربنا هؤلاءِ أّضلُّونا فآتِهم عَذاباً ضِعفاً )) .
فلم نكن نحن طرفاً في إقتتالهم الطائفي , ولم نكن طائفيين مثلهم , وكانت منظماتهم وعصاباتهم هي التي تُتَرجم حروبهم ضد بعضهم , فكشفناهم على حقيقتهم , وانحسرت عمليات التهجير , ولم تؤثر فينا حملاتهم التحريضية , ولا مخططاتهم الانقسامية , فالعراق بيتنا وملاذنا ووطننا , ويشرفنا أن ننتمي إليه , ونعيش فوق أرضه المقدسة , وليقطفوا هم ثمار شريعتهم الطائفية التي شرعوها .
في الأزمات لا يتردد السياسيون الطائفيون في إحراق الأخضر واليابس إذا ماشعروا بالمخاطر المحدقة بهم وبمصالحهم ، فالطائفية هي خيارهم الأفضل وهي سلاحهم الخبيث كلما ضاقت بهم السبل ونفذت حيلهم , لكنهم لا يعلمون أنها لن تجديهم نفعا ولن ينجحوا في تضليل الناس بعد اليوم وسينقلب السحر على الساحر , فلكل فعل ردة فعل بين صفوف الشعب تعاكس فعلهم في الاتجاه وستكون أكثر شدة منه هذه المرّة . . .
وتبقى الأسئلة . .
أين العراق الآن ؟؟
وما الذي سنقوله لأجيالنا ؟؟.
فلطفكم . . اتركوا العراق للعراقيين , فللعراق رب يحميه وشعب يَفْتَديه .
والله من وراء القصد .
مقالات اخرى للكاتب