هل أضافت الولايات المتحدة جديداً حين نصحت العراقيين بتجاوز خلافاتهم للخروج من هذه الأزمة؟ بالطبع لا، لأنها نصيحة متأخرة وبائتة أيضا. ثمة إجماع داخلي على انشقاق الصف السياسي العراقي وتباين اتجاهاته وخطاباته وهو السبب وراء كل تدخل وكل ما يجري في الميدان.
لم يكن اوباما ليضيف شيئا على قناعة صاحب أي تكسي في بغداد حين تسأله عن الوضع برمته ليجيبك: كل يغني على ليلاه وما للعراق من ليلى حبيب، وكل ما يجري سببه الساسة المختلفون المنشقون المتباينون بالولاء والرؤية!.
لكن الجديد في رؤية الأمريكيين هذه المرة وقوفهم على التل بعيدا عن الصراع الميداني الذي جاء نتيجة لذلك الصراع السياسي، اتكلم هنا عن امريكا المسؤولة عن كل ما يجري في العراق، وإلتزامها بمعاهدة التعاون الإستراتيجي، أهمها إلتزام امريكا العسكري بالتسليح والتدريب وصد اي هجوم خارجي، وهو ما يؤمن به الأمريكون تماما إزاء وجودهم في العراق، بحكم ان جيشنا بحاجة الى مزيد من التدريب وتطوير القدرات والعسكرية والقتالية والسلاح والغطاء الجوي.
تحويل الأموال المخصصة لأفغانستان وتحريك الأسطول البحري ومباحثات توجيه ضربات حيوية للجماعات المسحلة المسيطرة على مدينة الموصل، تلك هي إجراءات لا تبدو كافية للخروج من الأزمة حتى اللحظة، الدبلوماسية الامريكية بدت مضطربة وقلقة أمام العالم حين تقف بمثل هذا الموقف وهي المسؤولة تماما عمّا يجري في العراق منذ 2003 وحتى الان، هذا الإيلام يأخذ منحاه الداخلي أيضا بين الامريكيين أنفسهم خصوصا أولائك الذين يؤمنون بأن قرار حل الجيش العراقي السابق ومؤسسات الدولة واعادة البناء بوضع استثنائي تزامنت خطواته شبه النهائية مع تغييرات كبيرة في المنطقة، اعني هنا الربيع العربي الذي خلق الاهتمام الأمريكي بجبهات ومصالح أخرى، وهي التي أراها كانت أهم أسباب الحيرة الأمريكية إزاء الوضع العراقي الراهن، موقف الامريكيين من سوريا وحكومة بشار الأسد وموقفها من الجماعات المسلحة في سوريا وهذه الجماعات في العراق.
على ذلك فإن امريكا لا يمكنها ان تستمر بموقفها الحذر هذا تجاه ما يجري في العراق من تصعيد عسكري واعلامي وانقسام سياسي ومجتمعي، أخطرها الأحاديث التي ترى ان تقسيم العراق يجري بطريقة واقعية ميدانية بواسطة العراقيين انفسهم، وكأن امريكا قد تناست مثلها القائل: بأن من يُحدث الخلل يكون مسؤولاً عن إصلاحه!.
حيرة شعبية كبيرة هنا في العراق تجاه كل ما يجري، حين ينقسم العالم بين مهاجم طامع وغادر لهم، وبين منزو مترقب حذر. لكن بالنهاية أن الذنب ذنبنا نحن، لأننا لم ندرك الى اللحظة بأننا متفقون نقف، متفرقون نسقط جميعا.