نمت بين البطء والسرعة، وبحسب المناخ الطائفي وطقسه المتسارع، مستفيدة ايضا من كل قريب في العائلة جرى اعدامه او اعتقاله سابقا، ملوحة بتعاظم استحقاقها الشخصي الذي استثمره نشطاء في العمل الحزبي المعارض ليشكل قاعدة انطلاق لطموحات فريدة في احتراف العمل من اجل السيطرة على موقع في الجمهورية الجديدة – الجديدة حكما الذاوية محتوى في القدرة على مماشة الاسرة الدولية التي سبقت في التقدم فيما تراجعنا نحن منذ منتصف الثمانينات.
وحيث ان الادارة التنفيذية العليا في العراق تراقب دوما طبقات مجتمعها وتراقب في نفس الوقت اتساع الرقعة الدينية لتختار هي مكانها، فقد عمدت الادارة التنفيذية للسياسة قبل2003 لتهشيم ما اعتبرته تجاوزا على شكلها ومضمون اهدافها، في نظرية البعث كحزب.
ان دفع الوف الفيليين الى الحدود مع ايران، وضرب الحقوق القومية للكرد في العراق وتهشيم تنظيمات اليسار العراقي وتسفير وقتل طلبة واساتذة العلوم الدينية، كل ذاك قرص في اوردة الطبقات الاجتماعية العراقية التي كان رد فعلها الطبيعي هو الانكماش على خاصرتها لمسك الالم والتعايش معه.
لقد صادرت الحكومة منذ حملتها بعد 1968، ممتلكات تعود لطبقات تقاطعت معها لدوافع فكرية و شرعية، كما تحملت الحكومة مسؤولية تشويه التوجه الطبيعي لرفض الانقياد، الذي ابدته قطاعات شعبية وعرقية ودينية وفكرية، وكذلك الدماء التي ايتمت ورملت وغيرت توازنات اجتماعية ما كان لتهمد ردودها المستقبلية مثل جثث الضحايا.
وقد ساعدت الادارة التنفيذية على تغليف مشاريعها بالشرعية حرب بين بلدين جرى تصويرها على انها انبعاث لتاريخ صراع قومي، وكذلك ضد نوعي زحف للتعويض عن نقص في المؤازرة لم يمتنع عن تقديمها للحكومة الا قلة من رموز المقاومة السلمية التي اعتزلت المواجهة.
لقد ظهرت طبقة “للقادسية”، وطبقة “ام المعارك” والتي استمرت لتظهر معها طبقة”برنامج الغذاء”، وانصهرت طبقة معوزة على الاسفلت، وتلاشت امام الجميع طموحات جرى التنبؤ بمقدمها على اساس منطقية مسيرة الحياة المستقرة التي تزلزلت مع مجيء العام 1983، حين اثبتت ايران انها ليس كما تصورها الدعاية العراقية، ومن يومها تغير مجرى المسار، فالكل يساق الى الحرب”ولو من موقعه”، الكثير مستعد للكذب للنجاة!.
وامام تزايد العدد السكاني، ونقص الاهتمام بالانفاق على تنمية الافراد، وضيق مساحة الطبقات المسيطرة وعلوها لمقاربة مركز القرار، وانفصال عرى الشعور الجمعي من اعلى الجسد الاجتماعي العراقي ووسطه واسفله، فقد بدت ملامح التشقق والهشاشة تظهر بوضوح في الاداء اليومي للسلطة ورعاياها.. لقد اخلفت الدولة وعدها وتوجهها الذي تعاقدت عليه مع رعاياها من ان انها تكره الاحتكار وانها تنفق من كيس واحد وبمقدار بلا فروق ظاهرة على مواطنين لم يدركوا نظرية اشتراكية كانت شعارتها تخط على الجدران بألوان”ثورية”.
فجاة اكتشف الناس ان الحياة سوق، قيمة الفرد فيها بقيمة ما يحمل من نقد، وفجاة ظهر ان الخيانة والنكث هو امر غير مستبعد من الدولة.
وامام فرد يخاف بطش سلطة بلاده المجرب، ظهرت تنظيمات عصابية قليلة، فالجرم الجنائي قد يكون اخف عقوبة من الجرم السياسي، لكن الجوع قد يدفع الفكر المغيب الى السرقة لا الى الانقلاب على النظام.
لقد جرت الادارة التنفيذية مهرولة للضغط على جمهورها من ان لها القدرة على تمشية الامور مهما افقرت من اعداد للناس، وانسحب الناس للتفكير بطرق للعيش لا تمت للون الوردي من الاحلام القديمة بشيء.
لقد ظهرت طبقات صغيرة كمستعمرات النمل فيها حياة بلا عمران، وبدأ شبح الفقر ومسوغ الاحتيال والسرقة لم يعد ليحرمه العقل امام انموذج سلطوي يفعله ويكذب في نكران زهده بمتطلبات الحياة وكمالياتها ورفاهيتها.. في 2003، وبوجود مسوغ طائفي ومخزون من الحرمان الذي تمثله السلطة التي كانت تضع حاجزا بين العام والخاص من ممتلكات الدولة وما يخرج منها ليتسلمه الرعايا لضمان دوران منتظم للحياة، تم نهب الدولة و فض عفتها المكذوبة عبر وضع اليد على كل ما تملك من مقومات داخلية وموجودات مالية وعينية، ليس ذاك وحسب بل ايضا الزحف بكل وسيلة للتمركز بمفصل تشريعي او تنفيذي او بمراكز قوى دينية، لضمان مكان يوازي السكن في طبقة اجتماعية تضمن لنفسها عيشا مرفها مهما كان الثمن.
مقالات اخرى للكاتب