الآن، قبل أشهر غير معلومة من انتخابات برلمان العراق، يفحص كثيرون حظوظ قوى سياسية منها. وتخرج تصورات عامة عن صعود نصيب هذا الفريق، وانخفاض نصيب ذاك. ومثل هذا يتكرر قبل كل الجولات الانتخابية في العراق بعد العام 2003.
في هذا المناخ يقولون "حظوظ حزب السلطة تتضاءل كثيراً، وعلى وجه الدقة فإن حزب الدعوة راح في شربة ماء".
تصور مثل هذا منطقي وطبيعي، فلنا ما نشاء من الأمثلة على أن كل شيء في هذه البلاد فرص سانحة للإطاحة بحزب السلطة. كل تفاصيلنا العراقية تتحول إلى مرثيات دائمة تأبى الزوال، لرحيل شروط الحياة، من الأمن الهش – كما يشتهي المحللون الوصف - إلى خدمات منهكة بالفساد وقلة الخبرة.
إنها، في الوقت ذاته، مرثيات لسقوط أحزاب جاءت ومرت على السلطة.
من هو حزب السلطة؟ البديهي أن نقول حزب الدعوة الإسلامية، ولو ابتغينا الدقة، وفقاً للوضع الراهن، فإن المالكي سلطتها وحزبها.
لكن الرأي الذي يبحث بعين واسعة، عن صورة عراق متأزم، يخشى من تصدير فكرة حزب السلطة على أنها اجماع شعبي عام. والحال أن عراقيين يعتقدون بضرورة أن يكون المالكي أكثر "دكتاتورية".
إن أكثر من يريد استعمال فكرة حزب السلطة على أنها معيار لفرز القوى، نوعان من المتنافسين؛ الأول خصوم حزب السلطة، الذين كانوا أحزاب سلطة "شريكة" وبقوا فيها معارضين، بينما يكون الثاني حزب السلطة الذي اخفق حتى في ان يكون جديرا بما هو عليه، فصار خصما لنفسه.
كلا هذين المتنافسين يروجان لفكرة حزب السلطة على أنها سبة وميزة للفاشلين، أو على أنها فكرة تغازل الذين لا يمانعون "الواحد الاوحد" من الجمهور. حزب السلطة، وهنا لا أقصد المسمى القائم على رأس الحكومة والقوة والنفوذ بل المفهوم الذي صاغه المشهد السياسي، يمر بحالتين من التماثل السياسي في عراق ما بعد صدام، منها التركيبة التي جعلت جميع الفصائل المختلفة "حزب سلطة"، وفق قاعدة التوافق، بينما انتهى المطاف بهذه التركيبة إلى أحزاب سلطة تتنافس على باب وقفل واحد، تمكن المالكي من احتكاره.
هذه الفوضى تمددت لتصوغ مزاج الجمهور، وقادت إلى نقص في تشريعات ديمقراطية تؤمن الحياة السياسية من "أحزاب سلطة"، تتحول إلى "ماكنة لتطويع النظام والدستور".
يعتمد العراقيون، تحت طائل فكرة حزب السلطة، على معيار القوي الأقوى، الذي يطيح بخصومه "الأشرار"، حتى لو كان الحزب فاشلاً في تأمين الحياة. وفي مقابل هؤلاء سيفوز الجمهور الباحث عن نواب يجلبون الأمن والخدمات أقل من أغلبية في لجنة عن البيئة.
حزب السلطة الفائز، هو الذي ينتصر للشيعة المظلومين على السنة الإرهابيين، وهو الذي يدافع عن السنة، الذين تحولوا إلى مواطنين من الدرجة الثانية، في مواجهة الشيعة موالي إيران المجوسية.
حزب السلطة هو من يكسر عظم المجلس الأعلى، ويلوي ذراع المالكي المستأسد، ومن يحد من تمدد الصدريين الذي يخشى انهم يوفرون السلاح لعراق بلا قانون.
حزب السلطة ربما بعثي، يأتي على خرابها بعد كسر كل هذه العظام والأنوف.
او ربما حزب السلطة متاريس وبنادق وسلاح أبيض على خنادق من البصرة إلى زاخو.
حزب السلطة أقوى من القانون.. أضعف من السلطة.
مقالات اخرى للكاتب