قال وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا ان القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية سيكون صعبا وقد يستغرق 30 عاما، والسؤال المطروح: هل هي حرب بادرة جديدة وكيف توظف اقليميا ودوليا ولصالح أي طرف والاهم والابرز كيف يحلل صناع السياسات في الولايات المتحدة هذه «الفرصة» لصالح استراتيجيتهم؟؟
في استعادة لدورة التاريخ الانساني، تبدو آليات الحرب الباردة في واقع توازن الرعب النووي ما بين الاتحاد السوفييتي المنهار والولايات المتحدة، تظهر من جديد في هذه الحرب الجديدة على الارهاب التي تريد منها واشنطن اليوم ان تكون الحرب الباردة البديلة عن حروبها باهظة التكاليف لادارة «العالم الحر»، هكذا تحولت الحرب الباردة الى نماذج متعددة من الحرب بالوكالة، وهكذا أيضا حاول ثلة من زعماء العالم الثالث تأسيس منظمة عدم الانحياز للوقوف على مسافة واحدة في ذلك الصراع الدائر بين قطبي الرحى النووي، لكن اليوم يطرح السؤال عن أي نموذج من عدم الانحياز وكل ما يحصل في المشهد الدولي يؤكد ان واشنطن تريد توزيع الأدوار على حروب بالوكالة، لفرضيات تطلقها عن مكافحة الارهاب خلال 30 عاما على حد قول وزير الدفاع الأمريكي السابق جون باتينا؟؟
واقع أي تحليل سياسي يتطلب تحديد مدخلات موضوعية في بوتقة القراءة الاستراتيجية من زوايا ووجهات نظر مختلفة من اجل الوصول الى قناعات محددة لصناعة قرارات معنية تحتاجها مؤسسات الدولة في صناعة مواقفها مما يجري حولها، ومشكلة الكثير من الزعامات العربية والاسلامية انها مازالت اما تتأثر بمواقف أمريكية او بردة الفعل من مواقف اقليمية مضادة او انها بالأصل تتبنى مواقف مضادة تتقاطع لأسباب منهجية وربما عقائدية جعلت نموذج الحرب الباردة على الارهاب يطفو أمريكيا على جراح الامة العربية والاسلامية النازفة في فلسطين أولا اثر هزيمة فتنام، وانتقال تركيز واشنطن الى منطقة الشرق الاوسط، لكي تتجرأ على اصدار قرار غزو العراق عام 2003، وتبدأ اليوم نموذجها لصوملة المنطقة ككل من خلال هجمة تنظيم الدولة الاسلامية غير المسبوق بنتائجه الكارثية التي جعلت جميع وسائل الاعلام العربية تنقل تطبيقاته غير الحضارية كوصف في حده الأدنى لتلك الأفعال التي وصلت الى عودة تجارة السبي والعبيد تحت عناوين اسلامية معروفة لدارة الحرب ودارة السلام، بما جعل الاسلام بحاجة التي دعاة جدد، يوضحون بان هذه الممارسات لم تكن تستخدم الا في عصور الجاهلية التي جاء الاسلام، الدين السماوي السمح لتصحيحها، وبخلاف ذلك فان الاسلام يصيبه من التشويه ما يجعل الكثير من دعاة التنوير والنيوليبرالية امام مبادرات نوعية، ربما بدعم أمريكي لمواجهة «تطرف الدين الاسلامي ومنهجية العنف التي تكتنف آياته القرآنية» كما يؤشر على بعض المقالات التي تتداول بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
مصيبة كل ما يحدث، ان الجميع يشترك بالحرب الامريكية على الارهاب ليس للدفاع عن ذاته الوطنية او معتقداته الدينية وفقا لما يسوق الاعلام الحزبي او الرسمي، بل من أبواب الحرب بالوكالة كل على الاخر، داخليا واقليميا، لفرز نتائج دولية تجمع كل مدخلات هذه الحروب الطائفية والقومية تحت مختلف العناوين، فقط من اجل ضمان حلم الرفاهية الأمريكي، ولكم ان تشاهدوا خروج ما تبقى من الكفاءات العراقية، وربما العربية، في أفواج تقف على أبواب الأمم المتحدة طلبا للجوء «الانساني» حتى وصل موعد مقابلة طالبي اللجوء في العراق الى عام 2020!! هل يمكن ان تنتهي هذه الحروب بالوكالة في الحرب الباردة الجديدة بنموذج اخر لعدم الانحياز؟؟ الأكيد، لا يمكن ايجاد هذه الفرضية بعدم الانحياز ضد الارهاب، لكن الأكيد ان الفرضية المقابلة هي الحوار ولكن من ضد من؟؟ ومن مع من؟؟.
كل ذلك يثير النقاش المعمق على الأقل بين المثقفين العرب، للتعريف بان ما يجري اليوم ليس في صالح الشعوب العربية، وحتى من صالح الهويات الفرعية لها، طائفية كانت ام قومية، ما دامت هذه الدول ليس باستطاعتها ان تتجاوز نقاط ضعفها في ايجاد «حلول وطنية» لمشكلاتها الداخلية بانتظار حلول من الخارج، يمكن ان تنتهي بتفتيت كياناتها السياسية، وبعيدا عن نظرية المؤامرة، فان اية عمليات لتحرير الأرض العراقية او السورية من وجود تنظيم داعش، لا يمكن ان تكون الا مجرد فرضيات في هذه الحرب التي تريد منها واشنطن وضع خارطة سياسية جديدة للمنطقة، تمنح تذاكر القبول بالدول التي تحافظ على شكلها النظامي فحسب، اما تلك التي تقاتل من اجل هوياتها الفرعية فأنها سائرة نحو الزوال والعراق وسورية من ابرز المرشحين لهذا الزوال.
من ابرز مما نشر في تحليل ملف الحرب الباردة على الارهاب، دراسة «غريغوري غوس» وهو زميل أول غير مقيم في مركز بروكنجز في الدوحة حينما شدد على انه «لا يسع الولايات المتحدة الكثير لمعالجة ضعف المؤسسات الحاكمة في عدد من الدول العربية التي تسببت بتركيبة النزاعات في الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط، منوها الى ان هذه الحرب «ليست حرب الولايات المتحدة»، مع التذكير بأن هذه النزاعات «لم تعِق المصالح الأمريكية في المنطقة الى حد كبير»!!.
ويعترف الباحث بان انهيار الدولة العراقية زاد من أهمية الطائفية في السياسات الاقليمية التصاعدية بشكلٍ كبير من الأسفل الى الأعلى، وكانت الهويتان الطائفية والعرقية مهمة في السياسة العراقية منذ أيام الملكية الهاشمية، ولكن حني اكتسبت الدولة قوة، خفّت أهميتها بسبب بعض الهويات والولاءات الأخرى، بما في ذلك الدولة بحدّ ذاتها، وبقيت تحت مراقبة مؤسسات الدولة، ودفع ضعف الدولة العراقية، بسبب عقوبات التسعينيات، صدام حسين الى زيادة اعتماده على الطائفة السنية وعلى الولاء القبلي لدعم حكمه المتهالك.
ومع انهيار الدولة في العام 2003، أصبح للهويتين الطائفية والعرقية الكردية دورٍ أساسي في الصراع للحصول على السلطة، واتجهت الأحزاب الشيعية الى ايران للحصول على الدعم، في حين تطلعت الأحزاب السنية الى المملكة العربية السعودية طلباً للدعم، وبهذا ترسّخت الطائفية كميزة للحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط.
ويكمن مفتاح النجاح في الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط، من وجهة نظر كاتب هذه الدراسة، في ان تتمكن قوة اقليمية من دعم العملاء غير الدوليين والحلفاء بفعالية في معاركهم السياسية الداخلية في الدول الضعيفة في العالم العربي، بما يجدد السؤال لمصلحة من هذا التحارب الطائفي؟؟ وكيف ستدار هذه الحرب الباردة على الارهاب ما بين من يركب قطار الجهد الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأولئك الواقفون ضده او على هامشه؟؟ وما الثمن الذي ستدفعه شعوب المنطقة من خيراتها وارواح مواطنيها فقط لتنفيذ سياسات هذه الحرب الباردة الجديدة تحت عنوان الحقوق الطائفية والأثنية ضمن الدولة الواحدة؟؟
مقالات اخرى للكاتب