عيادة مريض ولكنها كانت سهرةً رائعة والتقيت بها بأفراد فرقت الأيام بيني وبينهم عقوداً.
ومن جملة ما احتفظتُ به من ذكريات في تلك السهرة حديث جذاب للسيد حسين الموسوي الأصفهاني(نجل المرحوم السيد الأصفهاني).
يقول أرسلني والدي عام 1946 م أي بعد انتهاء الحرب العالمية بأشهر إلى إيران على أن يكون طريقي من البصرة.ثم مدينة المحمرة (خرمشهر) ثم أصفهان ثم طهران وهكذا.
في البداية أُرسلت برقية إلى أحد تجّار المحمرة (المرحوم الحاج مصطفى الأمير) وكان آنذاك وكيلاً للسيد في استلام الأخماس هناك تعلمه بأن سيصلكم فلان بن فلان صباح الجمعة عن طريق الشلامجة (الحدود).
يقول وصلتُ البصرة وودعتني جماهير من البشر إلى الحدود وانتقلت إلى الطرف الإيراني فوجدتُ هناك القيامة قد قامت.وفزع الناس من الأهواز وكل مدن خوزستان وحمُلت كالعروس والناس تُسلم عليّ من صباح الجمعة إلى بعد الظهر بساعات.
وبعد يومين عزمت السفر بالقطار.فاكتظت محطة القطار بالبشر وهكذا بقية المدن الإيرانية.وتعاقب المسؤولون كباراً وصغاراً على زيارتي وتقبيل يدي وغير ذلك. أما الذبائح التي ذُبحت في خرمشهر وغيرها وفي محطة قطار الأهواز وحتى طالت الذبائح البقر وأفراخ الإبل وانتهت الزيارة بهذه العظمة.
ثم يقول:
توفى والدي رحمه الله بعد سنة ونصف من هذه السفرة.وقررتُ أن أسافر أيضاً إلى إيران لمتابعة أمورٍ تتعلق بمرجعية الوالد رحمه الله.
فأُرسلت برقية إلى الرجل المذكور نفسه في خرمشهر. وانتقلت من البصرة إلى خرمشهر فلم أجد أيَّ إنسان بالحدود ولا نفر واحد. فاستأجرت سيارة إلى مكتب هذا التاجر(المرحوم مصطفى الأمير) ولما وصلت إليه وجدتُ ولده الأوسط في المكتب وبعد السلام عليه أبلغني أن أباه سافر إلى طهران لشغلٍ عنده ثم سألته لقد أرسلت لكم برقية قبل أيام فقال:نعم. وقد وضعها الوالد على الرّف ثم أخذ يبحث عنها فلم يعثر عليها وأعتذر إليّ وقال:أظن أن الأطفال لعبوا بها وأتلفوها.
ثم تابع فيقول:واصلت سفري إلى مدن أخرى،وإذا نفس الحالة وأنا أهدّأ النفسّ بما تلعب به الأيام وهنا أذكر بيتين جميلين:
دع المقادير تجري في أعنّتها = ولا تـبـيّـتـن إلا خـالـي الـــبـــــــالِ
يـوم تـريك خسيس القوم ترفعه = إلى السماء ويوماً تخفض العالي
أقول:
إن هذه الحالة التي واجهها السيد حسين أبن المرجع الأصفهاني وغيره ربما هي التي حفزّت ودفعت بغيره من أبناء....أن يعدّوا العدة لمثل هذا اليوم.فانقضّوا على الأخماس وهم يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع. وذلك ضماناً لحياة مترفة لهم ولأجيال من أحفادهم وأحفاد أحفادهم وكلما جاءت بعدهم فئة ضاعفوا جهدهم في الابتزاز والقرصنة اغتناماً للفرصة وكما قيل قديماً:
إذا درّت نياقك فاحتلبها = فما تدري الفصيل لمن يكون.
مقالات اخرى للكاتب