شعرتُ بخطورة هذه الطريقة الماكرة وأنا في بواكير صباي وفي الخمسينات حيث كنت مع والدي أحياناً أو والدتي في ميدان النجف الأشرف وكان يمرّ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بسيارته السوداء اللون(وهو أول مرجع في تاريخ النجف الأشرف يقتني سيارة خاصة) وآنذاك لم تكن في النجف الأشرف إلا ثلاث سيارات خاصة منها سيارة السيد عباس الرفيعي الكليدار، وسيارة الحاج رشاد مرزه، وسيارة الشيخ كاشف الغطاء. وطبعاً أدركت قبل ذلك آخر مرجع كان يركب الحمار هو الشيخ محـمـد علي الواعظ زادة الخرساني. وآخر خطيب أدركته كان يركب الحمار هو الشيخ محـمـد الكاشي(محـمـد حدوّدة).
المهم أن الشيخ كاشف الغطاء حينما يمر بسيارته في ميدان النجف الأشرف تتوالى البصقات على سيارته وهم يرددون الله يلعن(أبو ناجي) والمقصود بأبو ناجي الإنكليز(بريطانيا).
كنا نتساءل ونحن في حيرة؟ لأن من يقوم بهذه الأعمال أُناس ظاهرهم الصلاح والتقوى وبعضهم ملازم للحرم ويصلي في أول صف ويتمتم بالتسبيح.
فكانوا يقولون لنا أن السفير البريطاني أعطاه السيارة!!!
وكان هذا طبعاً بعد سفر الشيخ كاشف الغطاء إلى المؤتمر الإسلامي في القدس ونجاحه هناك وخطابه المهم وإمامته المصلين!!!
ظاهرة أخرى:شاهدنا في عاشوراء في تلكم السنين أُناساً يلبسون الأكفان ويحملون قرب الماء ويسقون الناس وظاهرهم التقوى فيتصارخون أشرب الماء وألعن الأمين (المقصود السيد محسن الأمين) ونسألهم لِمَ هذه الأكفان فكانوا يقولون أنهم متطوعون لقتل السيد محسن الأمين إذا وصل إلى النجف الأشرف. ثم نسأل: لماذا؟ قالوا أنه منحرف وضال؟ لأنه حرم التطبير، ويحارب الحسين وشعاراته!!! ونريد أن نتقرب إلى الله بقتله!!! فمن كان يشحن أذهان هؤلاء البسطاء بهذه الأمور؟؟؟
وهكذا شاهدنا ما حدث للسيد فضل الله،وكيف أنخرط السواد البسطاء بهذه اللعبة الماكرة وكان رحمه الله نصيبه نصيب سلفيه.
ثم شاهدتُ أخَيّراً مقدّساً في الكويت مشهوراً بالصلاح ويصلي في المسجد...وفي أول صف وهو يسبُّ المرجع الشيخ محمد اليعقوبي فسألته:كيف تفعل هذا؟ فقال: أنه يحرّم المشي إلى زيارة الحسين!!!؟؟؟ قلتُ:هل سمعته يقول ذلك؟ قال: لا، ولكن سماحة السيد إمام الجماعة قال لنا ذلك!!!
وشاهدت مُقدّساً آخر يحضر مجالسي في الكويت وهو قليل الكلام ولا أشّك بتدينه،وإذا به يقول باللهجة الكويتية( الله يهديك يا سيد كمال الحيدري) فقلت له: كيف؟ قال: لماذا يتطاول على المرجع...(وشحكَه يسوي جذي) فقلت له: أنت سمعت،أم قرئت؟ قال: لا، لكن(وايد كَالولي من السادة!!!) قلت له:إن العلم والنظريات الاجتهادية ليست حكرٌ على أحد يا هذا.ثم إننا أحرار في الإصغاء للآراء العلمية ونحترم كل شخص ونظرياته.وإننا لا نعبد أصناماً بشريّة، ولدينا عقول ونتحرى بها الحقائق.
أيها الأخوة:
ليست المشكلة في دين الناس وتقواها إنها الفطرة وطهارة البساطة لكن الثعالب والذئاب الذين يتبرقعون بالمظاهر العلمائية وما هم إلا مصانع للشّر والفتنة يغشّون هؤلاء المساكين ويستفيدون من وداعتهم وبساطتهم ويتقنون كيف يشحنوهم ويشّنجوهم،إنّه غِشٌ ما بعده من غشٍ.
لقد دخل خطيبٌ من الخطباء إلى بلدة فنجح في منبره لمعلوماته وصوته وأدائه فأراد الخطباء والمحليون والذين تضايقوا من نجاحه أن يهزموه فاجتمعوا في مجلسه واستعرض هذا الخطيب في حديثه موقف أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وآله وحربه للإسلام. وما أن فرغ حتى حرك هؤلاء مجموعة من السذج البسطاء من المسمعين وهم يتصارخون الله أكبر هذا الخطيب سبَّ عم النبي صلى الله عليه وآله واندفع الناس كلهم للموجة على غير هُدىً مما اضطّر الخطيب أن يترك مجلسه ويسافر.
فأنتبه...
مقالات اخرى للكاتب