قالوا أن أعذب الشعر أكذبه ،أي أن الشاعر الكذاب الذي يبطن غير ما يخفي من المشاعر والأحاسيس ،هو الذي يكتب الشعر الجيد الذي يجذب القراء،لكن الشاعر المهندس ،أو المهندس الشاعر ،لا فرق ،خيري رمضان ،أثبت العكس ، وأكد لنا على أرض الواقع والملموس أن أصدق الشعر هو أعذبه ،وأن أعذب الشعر هو أصدقه.
الديوان الأول وهو باكورة أعمال الشاعر المهندس خيري رمضان ، بعنوان "وقفت بها "، صدر قبل أيام عن دار ورد للنشر والتوزيع في عمّان ،يقع في 138 صفحة من القطع المتوسط ،ويتضمن 40 قصيدة ،شملت كافة المواضيع الإنسانية من رثاء وحسرة على الواقع ومديح ووصف قل نظيره،وهي خليط ما بين الشعر العامودي والقصيدة النثرية المعبرة.
إستوحى شاعرنا المهندس عنوان ديوانه "وقفت بها "،من عنوان لقصيدة ،صاغتها أحاسيسه المرهفة ،بعد زيارته لبلدته عزون ،بعد 20 عاما على إضطراره لمغادرتها .
إستهل الشاعر قصيدته ببيت يقول :الصبر بعد تفرق الخلان / والعزم بعد تمزق الأوطان، ثم يتابع :والأرض من تحت العباد تقطعت /وتقسمت لقما على غربان، ورجعت أحمل كل شوقي والهوى / والقلب يخفق هائم الألحان،عشرون عاما قد هجرتك عنوة /ما كان ينفعني عظيم حنان.
وفي قصيدته بعنوان:"أغنية لفلسطين"يقول :سأغني لفلسطين مواعيد البشائر / فجراحات فلسطين جراحات الجزائر. وقال في قصيدة ناكف فيها المرأة التي يجلها ويحترمها بعنوان"الحب غدر شرعهن": الحب غدر شرعهن/ والصدق ضد طباعهن،يرمين من طرف العيون / مقاتلا بجفونهن ،فإذا عرفن تمكنا / في قلب شهم يبتعدن.
وقال مخاطبا أمه إبان دراسته في بغداد العروبة التي كانت تحتضن الجميع ،بعنوان " إلى أمي ": إليك أحاول نسج قصيدة / تكون رسالة حب جديدة ،ولوعة شوق لدار جديدة ،وآهة نفس لذكرىعتيدة ،وعنوان فخر بأم مجيدة.
وفي رثاء زوجته "أم مازن "التي كان يحبها كثرا ،قال في قصيدة بعنوان"في رثاء (أم مازن)":تفطر قلبي لفقد الخليل /وتوه عقلي فراق الخليل،وماجت بصدري رياح الشجون/ وضج برأسي عواء الأصيل،فصرت وقلبي على رحبه / ألاحق ذكرى لعصر جميل،تقول أتبكي وأنت العزيز/ شديد المراس قوي ثقيل ،فقلت بكيت لحزن عظيم / لحب كبير مكين نبيل.
وإلى حفيده الأول مهند قال في قصيدة بعنوان "إلى مهند":مهند سيف جميل/صمصامة حد صقيل،زيتونة من الشمال / بلوطة من الجليل،بيارة من يافا/ دالية من الخليل،تفاحة من لبنان / محارب من عمان، ونخلة من العراق / سنبلة من حوران ،ونرجس من عجلون / وفلة من بيسان.
أما عن وجعنا الجديد "بغداد"،فقد كتب شاعرنا قصيدة إبان حصارها بعنوان "بغداد ترجع من جديد":بغداد ترجع من جديد/ بغداد هارون الرشيد، بغداد عزك لا يطال / وفجرك العالي الوطيد، بغداد سيفك لا يضام/ ورمحك الغالي العتيد، بغداد يا قمر الزمان/ وراية العصر الجديد، يا مهرة عربية /خرجت على وسم العبيد، ما أسرجت إلا لسعد / في الوغى وإبن الوليد، خرجواعليك من التواريخ / القديمة والعهود، وتوحدوا في حزمة / بالرغم من كل الحدود،فكوا الحصار عن الحسين /وجددوا عهد الشهيد ،وإسقوه من ماء العيون /وقاتلوا حرس الحدود،لا تخذلوه وتتركوه / وتلطموا سود الخدود،لا تتركوه لوحده / وبصدره يلقى الحشود.
وعن تهويد مدينة القدس ،قال في قصيدة عام 1980 بعنوان "بيغن والجدل البيزنطي":الوحش يفترس المدينة كلها ، من سورها المبني أحجارا،تؤرخ كل تاريخ السنين ، من بابها المفتوح سلما ثم قهرا ثم غصبا، والعالم العربي مشغول بتأليف الروايات الرخيصة،والبعض لم يسمع كعادته الخبر، والحاكم السرطان يستجدي التفاوض ،والكل منشغل بسعر النفط والدولار.
وفي قصيدته عن إنتفاضة الشعب الفلسطيني الموؤودة عنوة بعنوان"ثورة الشعب"قال: يا ثورة المجد والتاريخ والحقب / يا ثورة النور والنيران واللهب، من أربعين وهذا الجرح منفتح/ ما زادها الوقت إلا شده النصب، عشرون عاما من الأحلام زائفة /نمنا على صخب التهريج والخطب، حتى أفقنا على الأحلام ضاحكة/ وراية الغزو من سينا إلى حلب ،ما حارب الأخوة العداء غاصبهم/ بل كانت مدافعهم للعرض والطلب.قالوا حجارة أطفال بها لعبوا / والعزم كان جميع العزم في اللعب.
وفي قصيدته بعنوان "حرب تشرين"قال :تشرين أرسى راية مصبوغة /بالدم أمجادا وأعراس الصور. فيك إستعدنا للعروبة فخرها/بمدافع الأبطال ينتزع الظفر.وتحطمت أسطورة الجيش الذي / ضاقت بوجه جنوده كل الحفر.
أما عندما واسى غزة التي تعرضت لعدوان غاشم في العام 2008 ،وها هي اليوم بعد العدوان الأخير توضع ورقة على طاولة مؤتمر القاهرة لتحصيل أكبر نسبة من "الكوميشين "ضمن ما يحلو للبعض ان يطلق عليه إعادة إعمار غزة ،يقول: سلام الله يا غزة/سلام المجد والعزة.سلام العجز نبعثه /بلا حول ولا قوة.بلا نبض ولا حس / بلا خيل بلا نخوة. فلا قتل يحركنا /ولا أشلاء ممتدة.كأنكم بلا أهل / بلا عمق بلا أمة.وقفتم وحدكم سدا /كأشجار على القمة.
ولدى وصفه الدمار الذي تعرضت له بيروت ،وما رافق ذلك من عجز عربي كان أشد خطورة وأثرا من الدمار قال: على أبواب بيروت،كتبت قصيدة عصماء،لوجه صبية سمراء ،على أبواب بيروت رأيت حنين ،وكانت ثلة الحق تقاتل وحدها هجمة الشر وكان هناك سفيان وكان لهب ،وكان هناك أشعار وكان خطب .
وفي قصيدته التي تمجد مقدم حفيده علي قال :ولد الحفيد فغردت أطيار /وتناثرت من حوله الأقمار.وإخضل ورد من ندى وتمايلت /نشوانه بيد الهوى الأشجار.هذا علي قد وصل / أصل الجدود قد وصل .
وفي عيد حفيده مهند قال :كل أيامك عيد/ يا صاحب العمر السعيد. زهرة تتبع زهرة /تملأ المرج ورود.مهند في صفه الأول ،مهند الأجمل ،كالنخلة الأطول.
وفي قصيدة بعنوان "في عيد الأم" قال :حددوه لك عيدا /أي عيد مثل عيدك.كل أيامي عيد /طالما كنت بقربك. ليت عمري ألف عمر /كي أجازي بعض فضلك. تطعمينا وتجوعي / وتساقينا بدمعك.
وفي قصيدته بعنوان " في يوم الأرض "قال :وإليك تبتسم القصيدة ،أنت الهوى قبل الهوى،القدس عاصمة الزمان قبل المكان وبعده ،يا قدسنا يا أمنا يا جرحنا،هل حبنا للأرض يوم ينقضي ،في كل عام نلتقي، فوق المنابر نرتقي نبكي ونصرخ بالحضور،وبعد ساعات يكون الكل قد نسي الخطب،يزرعون الأرض أغراس الهوية ،رأس البطولة أن تقاوم بالحجارة والعصا ،بالزند بالكلمات طغيان الرصاص والمجد مجدك يا شهيد والعيد عيدك يا شهيد.
وعن ربيع العرب الذي أينع أزهارا إسرائيلية –أمريكية قال في قصيدته بعنوان "ما قبل الربيع ":قالوا ربيع على العربان قد حضرا /قد رددت صوته الصحراء والبيد.أرى البلاد تشظى تحت يافطة التغيير/ وللشعب إفقار وتشريد.بغداد قد حرقت صنعاء قد صعقت/مدائن العرب تفتيت وتكبيد.دمشق آخرها والحزن غلفها/أعلامها البيض رايات مساويد.الحاكم الفرد بغير الظلم ما حكما / رأس الفساد ملاعيب مفاريد.كل الشجاعة في قمع الشعوب له/ وعند اللقاء مع الأعداء رعديد.
وفي قصيدته بعنوان "نشيد انتفاضة "قال :في الضفة عرس للثأر/ في غزة نبع للنار.في القدس أغاني الثوار/ تعلو وتعلو فوق الدار .في عكا سور الجزار/ يختال بإكليل الغار.والكرمل يحضن أحراري/علم للمجد على الساري.الثورة تعلن صيحتها /والأرض تبارك هبتها.والشعب يهب لنجدتها/ والنصر حليف توهجها.
ولدى مماحكته وممازحته سريكه وصديق عمره م.صبحي قال بعنوان "إلى صبحي ":وصبحي يقول يا خيري كفانا //كفانا الشعر يا عالم كفانا. فهذا الشعر يقتل كل وقت /ولا يترك إلى العمل مكانا . ولا يدفع عن الأولاد قسطا /ولا يجني مع الأيام مالا .وهذا الشعر لا يبني بيوتا /ولايغني إذا ما الدهر مالا .فقلت اشعر يحيي كل ميت /إذا الأيام قد صارت ورانا.
ويختتم شاعرنا المهندس خيري رمضان ديوانه بقصيدة بعنوان "يا شهرزاد" يقول فيها :يا شهرزاد لا تصرخي ..لاتغضبي منا،فإنا نائمون.فلقد سهرنا للخرافة ألف ليلة ،ثم نمنا كل ليلة،ونواصل النوم الطويل ،وأفاق أهل الكهف ..من زمن بعيد.والنوم يسجننا ..يقيدنا قرونا.