عظماء كُثر عاشوا على أرض البسيطة منهم من أشتهر بنبوغه أو حصافة عقله أو جهوده في نهضة مجتمعه أو غير ذلك من العبقريات المتنوعة ، ولكن حين نمعن النظر في شخصية أعظم العظماء محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستذهلنا جوانب العظمة التي تكاملت فيه .
كالبدر من حيث التفت رأيته
يهدي الى عينيك نورا ثاقبا
كالبحر يرسل للقريب جواهرا
جودا ويبعث للبعيد سحائبا
كالشمس في كبد السماء
وضوئها يغشى البلاد مشارقا ومغاربا.(المتنبي)
ونحن نتنسم عبير المولد الشريف وددت أن أطرح بعض الأفكار والرؤى التي أرجو أن تُسهم في تعميق الوعي وتزيد مساحة التلاحم المجتمعي وتُرمم العلاقة مع نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم.
أكد مؤرخو الحضارات : (أن العالم كان يسير نحو الدمار حتى وُلد الرجل الذي أنقذ العالم ) وُلد في شهر ربيع الأول لتكون ولادته وسيرته ربيعا سرمديا بعد حياة طالت مواسم سباتها .
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم.
إلا علي صنم قد هام في صنم.
مسيطر الفرس يبغي في رعيته.
وقيصر الروم في ظلم أصم عم (احمد شوقي)
وُلد الرحمة المهداة فجّذر مفاهيم الإنسانية في ضوء الكتاب الذي أُنزل عليه : (لتعارفوا) لتكون شعار البناة الحضاريين الذين يُحسنون إدارة الإختلاف ويستوعبون التنوع فكان صلى الله عليه وآله وسلم ُيعلي من شأن قيمة الإنسان بلا تمييز حتى أنه قام حين مرت به جنازة فقالوا إنها جنازة يهودي فقال: (أوليست نفسا).
وُلد معلم الرفق الذي أعلنها مدويّة في سمع الزمان : (إنما أنا رحمة مهداة) فالإنسان ينفر من العنف ويأبى الإكراه ولا يُسلم قياده إلا لضمّة الحنان وأساليب الرفق التي تناسب تطور العصور وتتطابق مع فطرة الإنسان .
وُلد الإستراتيجي صاحب الرؤية المستقبلية الذي عركته الأيام وعاش في بيئته( يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) مُسددا بالتوجيه الرباني إستثمر ذلك كله في التعامل مع خصومه ومنافسيه ، فسلب قلوبهم بعطائه وأقنع عقولهم بسمو منطقه .
وُلد صاحب الهم الرسالي الذي بُعث بالرسالة وكانت معطيات واقعه صفرية فلا أعوان ولا أموال ولا عشيرة كبيرة تنصره في المجتمع القبلي ، ولكنه خرج من غار حراء بعزيمة البناة حتى عمت أنواررسالته أرجاء المعمورة .
فَجِئْتُ يَا مُنْقِذَ الْإِنْسَانَ مِنْ *** خَطَرَ كَالْبَدْرلِمَا يُجَلِّيَ حَالِكَ الْظُّلْمِ
أَزِيْزٌ صَدْرِكَ فِيْ جَوْفِ الْظَّلامْ سَرَى *** وَدَمْعُ عَيْنَيْكَ مِثْلُ الْهَاطِلِ الْعَمِمِ
الْلَّيْلِ تُسْهِرُهُ بِالْوَحْيِ تَعْمُرُهُ *** وَشَيَّبَتْكَ بِهُوُدٍ آَيَةً )اسْتَقِمْ (
إِنْ أَقْفَرَتْ بَلْدَةً مِنْ نُوُرٍ سُنَّتِهِ *** فَطَائِرُ الْسَّعْدِ لَمْ يَهْوِي وَلَمْ يَحُمِ
غِنَىً فُؤَادِيْ وَذَابَتْ أَحْرُفِيْ *** خَجَلا مِمَّنْ تَأَلَّقَ فِيْ تَبْجِيْلِهِ كَلِمِيْ
يَا لَيْتَنِيْ كُنْتُ فَرْدا مِّنَ صَحَابَتِهِ *** أَوْ خَادِما عِنْدَهُ مِنْ أَصْغَرِ الْخَدَّمَ
تَجُوْدُ بِالْدَّمْعِ عَيْنَيِ حِيْنَ أَذْكَرَهُ *** أَمَّا الْفُؤَادُ فَللْحَوّضِ الْعَظِيْمُ ظَمِيَ
وُلد من أرسى مفاهيم إدارة الأزمات وسط مجتمع بدائي شعاره : لايسألون أخاهم حين يندبهم ، في النائبات على ماقال برهانا .
فتعامل مع الأزمات على إختلاف أنواعها تعامل الخبير فترك بعده منارات إدارية وهاجة نحن بأمس الحاجة إليها كي نحسن التعامل مع أزمات عصرنا بعد أن فتكت بنا العشوائية والإرتجال .
وُلد مكتشف المواهب وموظف الطاقات فحوّل خامات الجاهلية الى عجائب للإنسانية ، كان خبيرا في معرفة أنماط الرجال فوظفهم حسب إمكاناتهم في تدعيم رسالته، بعد أن أبصر نقاط قوتهم.
وُلد مؤسس الدساتير الحديثة ورسول التعايش الإنساني ومُحيي قيم التسامح والسّلم الأهلي ومُنشيء العقد الإجتماعي في مدينته المنورة فأرسى للوحدة الوطنية إطارها وأطمئن كل فرد على حقه فأنتج الإستقرار والإزدهار، وُلد المتفائل الإيجابي الذي كان يهب البشارات لمن حوله وللأجيال التي ستأتي من بعده.
في كل عام نحتفل بالمولد الشريف وترتفع الخطب الكلاسيكية التي تتحدث في المعلوم المُكرر ، آن لنا أن نعيد قراءة سيرة الهادي البشير قراءة حضارية تناسب العصر بلسان أهل هذا الزمان ، اللسان الفكري والإجتماعي والإعلامي وغيرها.
هو منّة ربانية، ونوروهاج، وهاد للإنسانية ، وسفير إلّهي ، وقائد قادات الركب الحضاري، وسيأتي اليوم الذي تؤوب فيه الإنسانية الى قيمه السامية وتعاليمه الرشيدة حين ينفض أتباعه عنهم الكسل الفكري والتخلف الحضاري ليستحقوا شرف الإنتماء إليه .
إضاءة : أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية ، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود (لامارتين كاتب وشاعر وسياسي فرنسي 1790- 1869م).
مقالات اخرى للكاتب