قال الامام علي.. عليه السلام: "إثنان لا يشبعان.. طالب العلم وطالب المال" فلنتخذ من تلك الحكمة المقدسة، أرضا خصبا، نغرس فيها ما تفرزه السلطة من أعباء، على ركني الدولة الأساسيين.. الشعب والحكومة، وثالثهما الارض.
للشرعية الرسمية، إشتراطات تعتمد.. أما إنتخابيا، وهذا هو واقع الجمهوريات الديمقراطية والملكيات الدستورية، أو... تؤخذ الدنيا غلابا، بالإنقلابات التي تكسب القائمين عليها "شرعية ثورية" نظير الديمقراطية، التي تمنح أفراد السلطة، إستحقاقا إنتخابيا، يمثل إرادة المقترعين، وافضلها الملكية القائمة على الشرعية الدستورية.
وبعطف السلطة، على حكمة الامام علي.. عليه السلام، تتجلى كلمته العظيمة، التي واجه بها التحديات، زاهدا بالسلطة: "لولا التقوى لكنت أدهى العرب" مرجحا التقوى على مغريات السلطة، الذي إستمات من جاؤوا بعده، على كسروية الخلافة، التي أجبر علي عليها زاهدا بها، مخاطبا الدنيا: "يا صفراء يا حمراء.. غري غيري" وفعلا إغتر بها غيره، فخسروا الآخرة، في سبيل دنيا لا مكسب فيها؛ لأن الجميع سائر الى حتفه، في نهاية حتمية، لخصها الشاعر الانكليزي وليم شكسبير، بالقول: "كلنا سنموت.. أنا من الحب والملك من شدة الرفاه والحمار من التعب" وبهذا لا منطقة وسطى بين شاعر مثل شكسبير ولا بين الحمار والملك.. الكل سواسية أمام سلطة الموت، وهي فوق كل سلطة؛ لذا يتوجب على من أوتي سلطة نسبية، هي خلافة الله على الارض، في تقرير مصائر العباد، أن يحسب حساب السلطة المطلقة.. سلطة الله، الحتمية، التي يبدأ العد التنازلي بيننا وبينها، منذ صرخة الولادة، ولحظات الطلق الامومي.
تلك الاصول المطلقة، من ولادة وموت وقدر وحظ ونصيب، ثوابت قائمة، يجب أن نتقي آخرتنا بها، من الإنجرار وراء مغريات نسبية زائلة، ومنها الدنيا بقضها وقضيضها.. كلها سائرة الى زوال.. كواكب تنفلق متشظية ونجوم تأكل نفسها، فيسميها الفلكيون ثقوب سوداء او فراغ مظلم يؤدي الى كون آخر.. نظير لعالمنا، لكن بتكوين مغاير لما عليه طبيعتنا، وهذا ما تعذر على عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ، شرحه، لكنه إستطاع أن يشعر به، جمهور محاضرته التي ألقاها في العاصمة السويدية ستوكهولم، حسيا، من دون إثبات رياضي.
والسلطة.. أية سلطة، في أي بلد.. سواء أكان منتظما بشكل أكاديمي، أم رعوي يعيش على فطرة القبيلة والتشكيلات القومية والعرقية والطائفية، كلاهما بحاجة لثوابت الناموس الاول، الذي جاء به النبي موسى (ع) في التواراة: "لا تسرق.. لا تزنِ.. لا تقتل.. لا تفعل الخابئث تحت عين الله" هذا الناموس عززه النبي عيسى.. عليه السلام، في الانجيل، ثم القرآن الكريم، خاتما للكتب المنزلة، لخصه نبي الرحمة.. الرسول محمد (ص) بالحديث الشريف: "جئت لأتمم مكارم الاخلاق" ولم يقل "أوسس أخلاقا" إنما يتكامل معها، تحت عين الرب الذي أدركنا أنه يرى كل شيء ويسمع.. عالما النوايا والهمم وما يدور في العقول والقلوب مقلبا.
لذا أجد أي حكم عادل.. في الشرق أو الغرب.. متمما لما بدأه الانبياء، بالتمييز بين مصطلحي "المساواة" و"العدالة" إذ يحتاج العراقيون عدالة وليس مساواة، في وقت حتى المساواة غير متحققة خلاله.
وللتوضيح أقول: المساواة هو أن تعطي 5 صمونات لشابة رقيقة و5 صمونات لكمال جسماني، في الوقت الذي تكتفي فيه الحسناء بنصف صمونة، ويحتاج كمال الاجسام لسبع صمونات، هنا تحققت مساواة تفتقر للعدالة، أما العدالة، فأن تبني بيوتا من 300 متر لأبناء مدينة (الصدر – الثورة) فتعادلهم مع جيرانهم سكنة شارع فلسطين، ذي الـ 300 متر وأكثر.
هذه المعادلات المنقوصة، في منظومة الحكم، لا تحتاج أفلاطون والفارابي، في جمهوريتيهما الفلسفيتين، إنما تحتاجان أماما مثل علي.. عليه السلام، لا تنغص تقواه الخوارج ومعاوية؛ حينها سنحقق عراقا إنموذجيا تقتديه الدول المعاصرة.
مقالات اخرى للكاتب