منذُ (3) عقود تَقريباً لم يُبادر رئيس جمهورية الى زيارةِ مدينةِ الديوانيةِ، أحدى مدن الفرات الاوسط، يبلغ عدد سكانها مليون ونصف المليون نسمة تقريبا، تمتاز بطابعها العشائري وهذا نابعٌ حتى من اسمها الذي أشتق من الدواوين والمضايف، تسكنها عشائر الخزاعل والاكرع وبني حçيم والبدير، ال فتلة وغيرها من العشائر الاصيلة، و يمر بها نهر الفرات، يمتاز اهلها بالطيبة والبساطة فيما تعتمد على الزراعة، وتعتبر من اكثر المدن التي تضم مواقع اثارية وحضارية، لكنها تعد من افقر المحافظات اقتصادياً، فهي تخلو تماماً ولحد الآن من اي ثروات معدنية مستخرجة ولا شركات صناعية باستثناء معامل الاطارات والنسيج والالبان وهي معامل ومصانع محدودة الامكانيات والقدرات بل انها تعرضت الى التوقف في سنوات سابقة. منذ ايام تواردت عبر مواقع ووكالات اخبار انباء عن عزم الرئيس معصوم زيارة الديوانية بعد لقائه مع المحافظ (الجديد) الذي تسنم منصبه منذ اشهر خلفا للسيد (المدني)، ويبدو ان السيد المحافظ حمل هموم ومعاناة العمل في المدينة الى رئيس الجمهورية خلال اللقاء الذي جرى الاسبوع الماضي ، ووجه المحافظ الدعوة للرئيس لزيارة المدينة للاطلاع عن قرب على المشاكل والمعوقات في ظل خواء ميزانية المدينة!، وحسب التسريبات الاخبارية في تلك المواقع فان الرئيس سيقوم بزيارة لهذه المدينة بعد ان ابدى استعداده لدعم المشاريع خاصة الخدمية منها. وهي بادرة جميلة للرئيس معصوم تحسب له، نتمنى ان تتكرر في مدن ومحافظات اخرى لتعزيز التواصل والروابط بين رئاسة الجمهورية وفئات الشعب، كما ان الزيارة تعد كسرا للمعتاد والمألوف، فقد اعتاد العراقيون ان يروا المسؤولين يقومون بزيارات، اغلبها ومعظمها ان لم نقلْ جميعها، الى مناطقهم او الى المدن التي تمثلُ المكونات التي ينتمون اليها، او الى ساحاتهم الانتخابية، او تكون زيارة لحضور فعالية او مناسبة معينة وليس لِلقاءِ المواطنين، والكل يعرف ان الديوانية لا تتبع اقليم كردستان وليس هناك كرد يسكنون فيها، إلا بعددٍ محدودٍ جداً ارغمهم صدام حسين على السكنِ في المدينةِ بعد أن هجرهم من مدنهم منتصف سبعينات القرن الماضي، لذلك تعتبر زيارة الرئيس معصوم كسراً لِقاعدةٍ مغلوطة وانقلاباً على واقع تكتل المسؤول في منطقتهِ وحزبهِ، فالزيارة المرتقبة انتصارا لرغبة الشعب التي تَريد ان يزورها المسؤول ويشاركهم معاناتهم، ويسعى الى وضع الحلول لمشاكلهم، كما ان الزيارة المؤمل ان تتم هي دعوة من رئيس الجمهورية الى كل السياسيين والمسؤولين خاصة التنفيذيين الى الخروجِ من الصَوامعِ والقَصَورِ الى الشارع وملامسة هموم الناس.
والشيء الذي نهمس به الى فخامة الرئيس ولكي تكون الزيارة ناجحة، وهذا ما نتمناه، ان لا يقتصر اللقاء بمسؤولي المدينة فقط لانهم سوف يتحدثون عن جوانب ايجابية رغم ندرتها ويشرحوا معوقات عملهم، فيما يبقى للمواطن مشاكل وهموم اخرى، لذا نأمل ان يخصص جانب من الزيارة لِلقاء المواطن الديواني المتعب من حالات الفساد الاداري والمالي الذي اوقف الكثير من المشاريع في المدينة، كما انه (المواطن الديواني) منهك القوى بسبب الحرمان من ابسط الخدمات، فالديواني تقتله الحسرة وهو يرى مدينة لم يقدم لها ما يوازي حجمها الحضاري والتأريخي.. وأبناء المدينة أعياهم الواقع المرّ فلا بصيص امل ولاحتى سراب ببريق خادع.. الديواني سيلقي عليك سيادة الرئيس معاناة حقب وانظمة سابقة.. و المدينة ستشكو اليكم قفر حقولها الخضراء، وجفاف انهارها، وبطالة شبابها.. و (دلمج) الديوانية يتمنى زيارتكم وسيطرح قضيته بعد ان حَالّ تنازع بين محافظتين في حرمانهِ من الفرص الاستثمارية المثلى، فالمياه وانواع الطيور ومختلف الاسماك لها رب يرعاها بعد ان فشل المسؤولين في المدينة.. (رز الشامية) ورائحة عنبرها ستتحدث عن ظمأها لشحة المياه وستدعوكم المدينة لِرُؤْيَة البيوت المتواضعة وبعضها لايزال من الطين.. (شاطئ الدغارة) وكم من سياسي لاذّ به سَيقدمُ مظلمته من الاهمالِ، و(نخيل سومر) سيروي حزنه بعد ان اصابه القحط.. وستستمع سيادة الرئيس وباستغراب من اهالي الديوانية الى قصة المقاول الذي رست عليه مقاولة لبناء وتطوير مرقد الامام ابو الفضل بن الامام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام)، والذي هدم المقام على اخره ومن اساسه حيث اختفت القبة ومنارتها من الوجود ومنذ سنتين لم يشيد “هذا المقام وسط صمت المسؤولين فيما يزور اهل الديوانية اليوم بقايا لمرقد بحزن ومرارة ..وسيشكو لكم (اهل عفك) “الركاع″ الذي تحول بقدرة قادر وفي آن واحد الى (تاجر و شيخ عشيرة و سياسي) بعد ان ترك صنعته، اما بسطاء الناس فلايزال العوز والحرمان يطرق بابهم كل يوم. اذهب سيادة الرئيس لتجد شعباً قد يخجل من َطرحَ مطالبه وشكواه أمامكم مباشرة، لكن سيستخدم (حسجة الفرات الاوسط) التي عرفت واشتهرت وتميزت المدينة بها.
مقالات اخرى للكاتب