مدخل
=======
تعتبر الاستخبارات المصدّ الاول والقشرة الخارجية , لذا هي اول من تتعرض للاختراق , وبحكم اختلاطها مع العدو , لذا هي الاخطر من حيث الاصابة والتأثر بأفكار واساليبه والوقوع في شباكه.
وبحكم خصوصية عملها , فهي تعرف النتائج وتشعر بالاحداث الخطيرة كالثورات والانقلابات قبل غيرها , وبهذه الحسابات قد يصاب رجل الاستخبارات بالخوف والتردد ويذهب الى جهة العدو , ناهيك عن ان احتمالية تجنيده من قبل العدو قائمة دائماً.
ان الاستخبارات ,بكل صنوفها, تحتاج الى برنامج رقابة وأمن وعيون تحميها وتسد كل الثغرات التي يمكن ان يستغلها العدو , وتعمل على تحصين الدائرة والافراد والوثائق والممتلكات والبرامج والاهداف والحركة ومراكز التدريب وتؤمن الحماية اللازمة للجهد الاستخباري وتمنع الاختراق والنفوذ والتجسس.
وتختلف التصنيفات بمفهوم أمن الاستخبارات من دولة الى اخرى , وفي الغالب تنشيء الدول مؤسسة مركزية للامن لجميع صنوف القوات المسلحة ذات اذرع متعددة , وهو الاسلوب الامثل والاصح , وهناك اسلوب اخر يجعل الامن ضمن كل مؤسسة بشكل مستقل , وهو ما يُعمل به في العراق , فمثلا للداخلية امن داخلي ولوزارة الدفاع جهاز امن داخلي وهكذا .
وفي كلا الاسلوبين , يكون الهدف هو تحقيق أمن المؤسسة العسكرية او الامنية او الاستخبارية , ولكن مؤسسة أمن واحدة مرتبطة بالقائد العام موزعة بأذرع في جميع القوات المسلحة هو الامثل والافضل لحد الان.
===========
المراقبة الامنية
===========
ذكرنا في في حلقة سابقة (الحلقة 13 من هذه السلسلة) انواع المراقبة المطلوبة لتقويم الاجهزة الاستخبارية وهي:المراقبة الادارية والامنية والنفسية والمالية والقانونية والتشريعية والفنية ومايعنينا هنا المراقبة الامنية.
ولاتختلف اساليب الأمن الداخلي بين الجيش والشرطة والقوات الامنية والاجهزة الاستخبارية كثيرا من حيث الجوهر والاهداف , ولكن قد تكون هناك بعض الاختلافات في مجال اجهزة الاستخبارات .
فالجندي والشرطي وعنصر الامن يعملون جميعاً ضمن اطار المجموعة وفي اطار المعسكر والدائرة والثكنه ومركز الشرطة ويكون عملهم جميعاً بشكل مجموعات , ولكن عنصر الاستخبارات قد يكون بعيدا عن دائرته وزملائه ويعمل في عصابة مسلحة او يعمل كمنتمٍ لمجموعة ارهابية , وقد يكون في بلد العدو ويعمل بمفرده , وهنا تكمن الصعوبة في مراقبته بشكل لا يضر بواجبه الاستخباري ولا يؤدي الى افتضاح وكشف العمل.
ان أمن اجهزة الاستخبارات عمل خطير ومهم وضروري لديمومة الجهد الاستخباري , وتختار الدول المحترفة شخصيات ذات تاريخ عمل طويل في مجال الامن ومكافحة التجسس ليكونوا على رأس أمن الاستخبارات .
=================
جوانب امن الاستخبارات
=================
يوصف جهاز الأمن ضمن القوات المسلحة بأنه عين القائد العام وذراعه الممتدة بين جميع صنوف القوات المسلحة , وتتشابه واجبات الامن العسكري في كل دول العالم تقريباً حيث يتفرع منها : امن الافراد و امن المواقع وامن المعلومات والمستندات وامن التسليح والتجهيز وامن الفعاليات والامن المساند.
1- امن الافراد :
إن الفرد المنتمي للقوات المسلحة هوعنصر مهم , فهو طيار طائرة حربية او يقود دبابة او انه يحمي مستودع سلاح او ثغور الوطن او رجل استخبارات وهكذا , فلابد من وجود رقابة امنية تصاحبه منذ توظيفة والى مابعد تقاعده احيانا .
فجهاز الامن يجب ان يعرف كل شيء عن عنصر الاستخبارات ( كل بياناته وبيانات عائلته حتى الدرجة الثالثة او حتى الخامسة وسوابقهم ومحل السكن والاصدقاء والميول السياسية والفكرية والحالة المادية والكثير من المعلومات الشخصية ).
وتضع اجهزة الامن مجموعة محددات اضافية لعنصر الاستخبارات , منها على سبيل المثال , ان يكون جواز سفره وعائلته محفوظاً في مقر الامن وان تخضع حساباته المصرفية للمراقبة ويمنع سفره بلا إخبار وموافقة , كما تكون كل وسائل التواصل الاجتماعي وخطوط الهاتف ونوع العجلة الشخصية ورقمها والكثير من المقيدات الامنية مسجلة ومراقبة , فلا يوجد شيء يخضع للصدفة في مفهوم امن الافراد .
وفي الدول المحترفة لايحمل عنصر الاستخبارات في مقر عمله اي هاتف من النوع الذكي ويستخدم الهاتف العادي فقط , ويمنع من استخدام فيس بوك وتويتر وغيرها , كما تتم مراقبة عناصرها من خلال التكنلوجيا لحمايتهم ومراقبتهم حيث يتم منحهم ساعة يد بنظام GPS او مع لاقطة صوت او تزويدهم بسوار بالمعصم , بل ذهب البعض الى وضع رقاقة الكترونية في جسم عناصره.
ان من ابرز ما تركز عليه مؤسسة الامن هو السرية والكتمان لدى العاملين , وان لايُعلم احداً من اهله ومعارفه عن نوع عمله واين يعمل لانها تعتبر بدايه الاخفاق الامني .
كما يهتم امن الافراد بأمن المصادر والمتعاونين المتواجدين في بلد العدو, ويتم توجيههم بكيفية العمل لحفظ امنهم وامن عوائلهم وامن اماكنهم , كما يتم التدقيق الامني بشكل مستمر على المخبرين العاملين داخل البلد.
2- امن المواقع :
ونعني به أمن اماكن ودوائر جهاز الاستخبارات من حيث خطة الدفاع والدخول والخروج والسلامة العامة, وتحكم المواقع بتوزيع كاميرات المراقبة والخفر الليلي واقفال الابواب والادارة الداخليه وسجلات الحضور والغياب ومرائب الدائرة وغرفها .
وتستخدم التكنلوجيا بشكل كبير في امن المواقع دخولا وخروجاً كالابواب التي تعمل على بصمه اليد او العين والتفتيش والسوناروالتشويش , كما يتم وضع مراقبة غير محسوسة من مكان مقابل الدائرة وكاميرات خارجية بالاضافة لمنع دخول الهواتف الذكية والتحرز على خروج اية اجهزة دقيقة او اوراق او ملفات غير مصرح بها , ويتم تغليف الزجاج بعازل ضد الرصاص وعازل الصوت واجراء الفحص الدوري لأية لاقطات او كاميرات مزروعة وتغيير الاقفال واعتماد خزنات ضد الحريق والانفجار ومراقبة خطوط الهاتف الداخلية والخارجية.
كما يجري التمويه على الدائرة , فعادة ما تحمل اسماً وهمياً لشركة او مؤسسة حكومية او منظمة , فاجهزة لاستخبارات لا تكشف عن كل دوائرها وانما تكشف فقط عن الدوائر التي لها تواصل مع الناس كالمراكز الخبرية والجهد التواصلي وجهات التحقيق في الاستخبارات الجنائية او دائرة القبول والتوظيف اما بقية الدوائر فتكون تحت مسميات مختلفة حفظا لامنها, ففي امريكا اكبر مركز تدريب استخباري يسمى المزرعة .
غالبا ما يتم مراعاة استحداث وبناء مواقع الاستخبارات بعيدا عن حياة المدينة او في مجمع حكومي او اقتصادي كبير او اطراف المدينة المؤمنة بشكل جيد او ضمن مجمع علمي او صناعي او عسكري ولا تكون على الشارع العام او قريبة على البيوت السكنية.
3- امن المعلومات والمستندات:
تسعى الاستخبارات المحترفة الى الحذر من تأطير المعلومة بالمستندات , اي انها تتجنب ختم المعلومة اوتوقيعها من قبل جهاز الجمع او التحليل او بين دوائر الاستخبارات اوعند التوزيع , وحتى عندما تصل من المحطات.
ان اي تقرير يحتوي على معلومات يجب ان يرسل بلا توقيع اوختم ولايحوي سوى تاريخ مع مجموعة ارقام او رموز تبين مرجعية المعلومات , وبذلك تكون المؤسسة الاستخبارية في مأمن من تحويل المعلومات الى مستند رسمي ووثيقه خوفاً من وقوعها بيد الاخرين ومن ثم مسائلتها عليها قانونياً, لان المعلومات الاستخبارية لاتراعي الدليل ولا المراكز الادبية في كل معلومة فهي قد تتداول معلومة عن وزير التقى في سفره بارهابيين , فلو انها وثقتها بشكل مستندي ووقع المستند بيد الوزير فسيقاضي الجهاز الاستخباري , اما لو كانت مجرد ورقة بلا توقيع فلايملك اسنادها قانوناً اليهم (نلاحظ في قضية تسريبات سنودن لاوجود لاي مستند من اجهزة الاستخبارات بل فقط المعلومات في برقيات يمكن ان تُنكر ولا تأخذ قيمة المستند) , ومن هنا نجد ان حتى مدير الجهاز الاستخباري لايوقع مع ذكر الاسم ويتم الاكتفاء بالعنوان او المنصب مثلا اللواء الركن مدير الاستخبارات العسكرية , ويستثنى من تلك المحاذير الشؤون الادارية في المؤسسة الاستخبارية التي يتم توقيعها وختمها وهي شوون داخلية ,
ولا تعمم الاستخبارات المحترفة مراسلاتها الى عده جهات وانما تخاطب جهة واحده للسيطرة على تسرب المخاطبات وتعتمد اسلوب الارقام والرموز في جميع مخاطباتها الداخلية و تضع لكل مديرية او قسم او محطة رمزا .
كما يدقق امن المعلومات في صلاحية العاملين في هذا المجال بشكل دوري ويضع تصاريح امنية ومستويات لمن يستطيع الوصول للارشيف والملفات ومن يطلع على المعلومات وتصنف التصاريح الامنية حسب المواقع والمسؤولية .
ويهتم امن المعلومات والمستندات بامن خزن المعلومات وتأمين الحواسيب وبرامج التهكير وتصليح اجهزة الحاسوب والصادرة والواردة والاختام, ونماذج الكتب الرسمية.
كما يتم الاشراف على الباجات والهويات ويخضع اي شخص يفقد او يتسبب بفقدان او تسرب مستندات او معلومات اوباجات الى التحقيق الامني بدقة , كما تدقق على حاملي البريد وطرق نقل البريد وايصاله وصلاحيتهم الامنية.
بالاضافة الى ظروف الغلق واختام الامان على الظروف المغلقه ومفاتيح الحواسيب والهاردات وعدم اتصال بعض الحواسيب المهمة بشبكة الانترنيت ,
4- امن التسليح والتجهيز:
لا تمتلك الاستخبارات اسلحة بالمعنى العسكري وانما اسلحة خفيفة او نوعية وفي بعض الاحيان متوسطة , لكن السلاح الشخصي هو احد ابرز معالم كشف شخصيه العاملين في الاستخبارات , لذا تحذر دوما من حمل السلاح بالشكل الصارخ , وتهتم مؤسسه الامن بسرية الاسلحة النوعية التي تشتريها وتمتلكها وتستخدمها الاستخبارات.
اما في باب التجهيز فهناك العديد من اعمال الامن, منها العجلات (وللاسف كان لتجهيز عجلات اجهزة الاستخبارات لدينا من شكل وموديل واحد اثره في كشف عناصر الاستخبارات وتعريضهم للخطر لذا يجب تجنب اقتناء نوع واحد من العجلات) ِ كما لاتوجد دولة لها جهاز استخبارات متقدم الا وتجهز العجلات بجهاز GPS حيث تتم مراقبة حركة العجلات على خارطة الكترونيه بالدقيقة والساعة.
اما التجهيزات الفنية كاجهزة الحاسوب واجهزة التصوير والتنصت وغيرها , فيتم وشرائها من خلال عقود وسيطة خوفا من ان تقوم الشركات العالمية المجهزة من تزويدها بانظمة تسهل اختراقها كما تتم مراقبتها من قبل امن الاستخبارات وفق تقنيات حديثة , وتتم صيانتها داخل دوائر الاستخبارات.
5- امن الفعاليات:
ان كل فعاليات ونشاط اجهزة الاستخبارات كالحركة والاجتماعات (يتواجد افراد امن الاستخبارات في الوفود الخارجية ويحضرون في جميع اجتماعات قادة الجهاز والمدراء داخل وخارج الجهاز)ولقاء المصادر والتدريب والعمليات والاعتقالات والاختراق والتنصت واي نشاط بشري او الكتروني , تخضع كلها لرقابة امن الاستخبارات , ويدخل في هذا المجال ايضا دوريات الاستكشاف والاستطلاع في الجبهة واستبدال ضابط الرصد وحضيرة القناصين وارسال دوريات في عمق العدو والاستطلاع الجوي والطيران المسير.
6- الامن المساند:
هو الامن التعليمي والتثقيف الامني المستمر للعاملين في الاستخبارات لتحقيق الامن المطلوب شخصيا وضمن فريق العمل والدائرة والعائلة والحماية الشخصية وكيفية انتحال الشخصية والتخلص من المطاردة والمقاومة في التحقيق والغش والاختفاء وغيرها , ويشمل هذا التدريب المصادر والمخبرين والمتعاونين ايضا .
==================
امن الاستخبارات في العراق
==================
إن أمن المؤسسة في العراق يرتبط برأس المؤسسة , اي ان أمن الداخلية يرتبط بوزير الداخلية وامن جهاز المخابرات مرتبط برئيس جهاز المخابرات , مما يجعل جهاز الامن تحت سلطة رأس المؤسسة ومنفذ لرغبته وسيفه على الاخرين , ويجعل من المستحيل على الامن ان يراقبه وهذا خطأ فادح لابد من تصحيحه بربطهم بالقيادة العليا مباشرة في الجوانب الامنية ضمن موسسة واحدة.
كما لايوجد لدينا تكتم في العمل الاستخباري ,فالكل يعرف رجل الاستخبارات من اهله الى البقال , بل ان من ميزات رجل الاستخبارات لدينا ان ترتفع احدى جوانب سترته معلنا ان تحتها مسدس او يكتب على صفحته في الفيس بانه يعمل في الاستخبارات ويبرز هويته حتى في مدينة الالعاب ويتعمد ان يضع المسدس الى جانب طبق الطعام في المطعم , والامر ذاته ينطبق على المؤسسة الاستخبارية , فالكل يعرف اماكن الابنية الاستخبارية الحساسة.
وفي امن المستندات, فان اجهزتنا تضع كل شيء بكتاب رسمي مما يضعها في موقع المسائلة القانونية لاسيما وان كل شي هو مفضوح ومتوفر ولاتوجد اسرار فكل شخص في الاستخبارات يستنسخ ادق الاسرار لحزبه اوجماعته وينشر كل شيء على وسائل التواصل بلا رقيب , وحتى المخبر والمصدر يُكشف فوراً ولا يثق احد بتزويد الاستخبارات بأية معلومة لانها سوف تكشف ويكشف صاحبها , بل ان البعض يعمل داخل الاستخبارات مخبراً للصحافة والفضائيات , فكما ان الامن مفقود في العراق فإن امن الاستخبارات مفقود ايضا بشكل كامل.
=======
خلاصة
=======
ان اي جهاز في الدولة بامكانه ان يتغول او ان يُخترق مالم يخضع للرقابة , والامر اشد واخطر في الاجهزة الاستخبارية , فهي مكمن اسرار البلاد وحركتها غير المشروعة , وهي الملاصقة للعدو , ومن هنا لابد من وجود جهاز لأمن الاستخبارات يحميها ويراقبها , والله الموفق.
مقالات اخرى للكاتب