العراق تايمز: كتب حسين القطبي..
حادث القتل الذي حدث في الكرادة ربما يكون الحادث الذي اكتسح اكثر شهرة بين الجرائم في التاريخ العراقي الحديث. تخيل انه سحب رئيس الوزراء العراقي الى مسرح الجريمة قبل رفع جثة القتيل!
وهذه الهزة التي اثارها الحادث في الاعلام جعلتني اتخيل انه وقع في النرويج او سويسرا، او بلد لم يرى الدم مثل ايسلندا، فتداخل السياسيين بهذه الكثافة، اثار الريبة، بل ان زيارة المالكي لمكان الحادث اثارت السخرية، لأن الحوادث تقع في كل يوم من ايام الاسبوع وفي كل اسبوع في الشهر، وفي كل شهر من سنين حكمه، والدم يسيل على الارصفة، وعلى بلاطات الازقة والاسواق والمدارس، منذ توليه الوزارة الى اليوم، ولم يكن رئيس الوزراء ليكلف نفسه عناء السؤال، او يتنازل فينتقد، او يستنكر، فلماذا اذا هذا الاهتمام المصطنع بهذه القضية بالذات؟
القاتل كردي... اها!!!!!؟؟؟؟؟
في الوقت الذي يبحث السيد رئيس الوزراء في دفاتره القديمة عن اي ذريعة لتصعيد المواقف العدائية ضد كردستان، جاءه الخبر بان جريمة وقعت، وان القاتل كردي، فاخاله فرح اكثر مما حزن، وكأنه لم يصدق اذنيه....
سبق وان فشلت كل محاولات السيد رئيس الوزراء في وضع "الاكراد" بموقع الجاني، فشل محاولة تسريب السيد طارق الهاشمي الى كردستان ثم اتهام الاقليم بايوائه. وفشل في خداع الاخرين بان "الاكراد قطعوا الماء"، وفشل في تبرير انعدام الخدمات بسبب نسبة 17% من الميزانية، وهي حصة اقليم كردستان، وكأنها اكثر من الـ 83% الباقية.
فالعامل الابرز في الحادث هو ليس الانحدار القومي للقاتل، فقط، فالسيد المالكي ليس عنصريا للحد الذي يحاول استغلاله بهذا الشكل، ولم يكن ليزور مكان الجريمة، او حتى الظهور على التلفزيون لو كان هذا الحادث قد وقع في فترة ازدهار العلاقة بينه وبين "البارزاني"، او بعد انتهاء الانتخابات، ولكن ابرز ما في الحادث هو توقيته الذي جاء في سياق الحملة الانتخابية التي تتطلب من السيد المالكي اظهار اقصى مشاعر العنصرية ضد الكرد، لاسباب انتخابية فقط.
مع ذلك فلا اعتقد ان السيد المالكي قد لعبها "صح" هذه المرة ايضا، فزيارته لموقع الحادث، وهو يصرح لوسائل الاعلام بلغة تثير القرف "الدم بالدم" تذكر بزيارة الرئيس الاسبق صدام حسين لضحايا الانفجار عقب محاولة اغتيال طارق عزيز في الجامعة المستنصرية 1 نيسان 1980م، حيث استغل المحاولة الفاشلة من اجل اثارة حرب الثماني سنوات ضد الجارة ايران.
فالرئيس الاسبق كان بحاجة الى نشر ثقافة العداء ضد الفرس قبيل شن الحرب. والسيد المالكي بحاجة لاستغلال مشاعر العنصرية ضد الكرد بسبب قرب موعد الانتخابات البرلمانية نهاية هذا الشهر، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
بعيدا عن التوتر العنصري الذي يثيره الاعلام المرتبط بالسلطة، فان الحادث يشير اولا الى تفشي الفساد وعدم الانضباط في القوى الامنية، وهو لا يختلف عن حادث قتل مدرب نادي كربلاء السيد محمد عباس على يد عناصر من قوات سوات، امام الجماهير، اثناء مباراة لكرة القدم، ولا يختلف عن اغتيال المعارض هادي المهدي امام داره على يد قوات القمع، او اغتيالات الكواتم، او الالاف من القتل الخطأ.
وبعيدا عن هذا الشد العنصري الذي يشنه جنود الاعلام المرتبط بادارة السيد المالكي، يتوجب تقديم الشكر لشخص السيد رئيس الوزراء على اهتمامه بالانضباط الامني، ومتابعته لتطورات القضية، وياحبذا لو تدخل ايضا في قضية مدرب نادي كربلاء، وتابع مجرياتها، واظهر بعض الاهتمام بحياة الشهيد هادي المهدي، وياحبذا لو وزار ضحايا التفجيرات والكواتم والقتل الخطا في السجون، او اي من جرائم القتل المشابهه التي ستقع مستقبلا، بغض النظر عن الانحدار القومي للقاتل او القتيل، سواء في وقت الحملات الانتخابية او بعد.