حب الشهرة غريزة اودعها الخالق في جينات الجنس البشري ، ووفقا لهذه الحقيقة - لو صدقت - فان الحيوان بما في ذلك الجربوع اكثر نبلا منا في هذا المجال . وكبح جماح هذه الغريزة يلزم توفر طابور من الملكات والايثار ولا ينزل بسلة نورانية من السماء . لم أر قردا مثلا يطلب ان يصور مع فيل سيرك هندي ، او كنغرا استراليا وقف أمام بقرة سويدية حلوب ليلتقط معها سيلفي في غفلة منها للمتاجرة و كسب الشهرة . الذين تجاوزوا املاءات هذه الغريزة الفتاكة عبر التاريخ هم قلة تعد باصابع الاطراف . من منا لا يحرس بأعين لا تنام صورة التقطها مع الشاعر عبود الكرخي او الرسامة نجاح العطار او مطرب بشهرة جبّار عَگّار !!! اما اذا اقترنت الصورة بعبارة ترحيب و ابتسامة يتفضل بهما النجم فاننا سنحتاج الى مرور ايام وليال لاستيعاب صدمة الانجاز التاريخي . والحال ، الجميع يدرك ان هؤلاء المشاهير لا تعني لهم هذه الصور التذكارية شيئا لان العشاق بالملايين واذا اراد النجم ان يعير كل عاشق من اهتمامه حجم قطمير ، لاحتاج الى ملايين القطامير من الاهتمام بمريديه يوميا وسيكون هذا سببا كافيا ليشهر افلاسه في اليوم التالي و ربما في اليوم ذاته . و يضاعف من قباحة تسونامي الصور التذكارية مع المشاهير سهولة التوثيق فالكاميرا اصبحت ترافقنا حتى في أسرّة النوم لتواضع اثمانها وصغر احجامها وارتفاع كفاءتها .و جاءت طامة مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى لتختزل الفاصلة بين التقاط الصور مع النجوم ونشرها ، الى الزمن الذي تستغرقه غمضة عين وانتباهتها . وقد وفر الفتوشوب علينا جزءا من ذل السؤال فاصبح التصوير من الخرطوم مع الليدي گاگا وهي في لندن ايسر من الغِناء في الحَمّام بصوت يسمعه الجار السابع . وطبيعي جدا اننا عندما نعود الى البيوت سيكون اول عمل نقوم به هو عرض الصور على من يلوذ بنا من المساكين ابناء وزيجات مع توضيحات شفاهية تظهر ان الصورة تجمع بين صديقين قديمين متكافئين . اتذكر انني التقطت صورة مع الشاعر الكبير مظفر النواب في حي السيدة منتصف التسعينيات عندما قاده حظه العاثر الى منطقة الحجيرة بحثا عمن يتحمل مسؤولية اعادة شقيقته الى العراق وكانت قد جاءت الى سورية للقاء اخيها "منَّ الله عليه بالصحة والعافية" . كانت الكاميرا ابو البكرة "أولد فاشين " اي مرحلة ما قبل ارهاصات الديجيتال وكان يلزمني الانتظار اسبوعا لاستلام الصور مطبوعة على ورق مع مخاوف لا تهدأ من استلامها شاشة سوداء لا تسر ناظرا . الى يومنا هذا اشعر بالندم كون عائلتي لم تكن معي لاخبرها بان النواب طلب ان يصور معي فنزلت عند طلبه مضطرا !!! هذا هو الجزء البسيط من المشكلة انك تصور مع نجم اصبح عالميا كمظفر النواب ، الادهى والامر انك تفاجأ يوميا بصور مَن اذل كرامته بالتقاط صورة مع نجم نصف كم او دون ذلك حيث لا يتجاوز ابداعه المزعوم حدود خمسة ميل في البصرة في احسن الاحوال ، طبعا عليك ان تجامل ولو بامتعاض وتكتب كلمة "منور" سيئة الصيت والا فانك ستطرد من رحمة الفيسبوك حتى من دون نكزة مذؤوما مدحورا تلاحقك اللعنات والشماتة الالكترونية . تصوروا - جدلا - اننا في في يوم القيامة من اهل الجنة ان شاء الله - وان ملايين البشر تتسابق الى نور وجه علي بن ابي طالب لالتقاط صورة تذكارية معه حتى تتراكض بعد ذلك الى حور عينها لاخبارها بان عليا صديق حميم مستدلين بالصورة ... اتساءل ، كم واحد منا سيقربه الامام علي "ع" صديقا مخلِصا مخلَصا بارا وفيا محبا عاشقا فيمنحه جلاله وجماله عن رضا !!! وكم منا يود الاِمام لو انه لم يكن من المحسوبين عليه !!! التحدي الحقيقي ليس ان اختطف ابتسامة مفتعلة من نجم في صورة تذكارية مشتركة . التحدي هو ان يكون طرفا الصورة متكافئين في العطاء حتى وان اختلف الاختصاص . حينها فقط سيطرق يحيى السماوي بابي قادما من الاوقيانيا لالتقاط صورة تذكارية .
مقالات اخرى للكاتب