بظهور نتائج الإنتخابات لبرلمان جديد في العراق، لم يتبق إلا أن يتم تشكيل الحكومة القادمة، ولا ندري كيف سيكون شكل الحكومة القادمة؟ هل ستكون حكومة توافقية، أم أنها حكومة شراكة وطنية، أو كما نسمع في الفضائيات بأنها حكومة أغلبية سياسية؟
أسئلة كثيرة تدور في رأس المتابع للشأن العراقي المضطرب، والذي يزيد من الطين بلة؛ هو تأثير الدول الإقليمية والدولية على مجريات العملية السياسية، بشكل أو بأخر؛ وإن بمستوى أقل عما كان عليه في بداية التغيير.
معلوم للجميع بأن دولة القانون برئاسة السيد المالكي، فازت بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد 95 مقعد (وقد رافق ذلك تشكيك من قبل القوى الأخرى بهذه النتيجة وبخلفيات الوصول اليها)؛ وجميعنا نعلم بأنها تتكون من مجموعة كتل إئتلفت مع السيد المالكي في إنتخابات عام 2010، عدا كتلة بدر التي خرجت عن المجلس الإسلامي العراقي بعد تلك الإنتخابات، ومع دخول الإئتلاف الوطني العراقي الى جانب دولة القانون الى البرلمان كأكبر كتلة، بموجب تفسير المحكمة الإتحادية، إستطاعوا تشكيل الحكومة الحالية، لكن ذلك لم يكن هينا، فقد إستلزم تشكيلها حوالي تسعة أشهر، وبعد توقيع السيد المالكي لما عُرف فيما بعد ( إتفاق أربيل) الذي سمح له بذلك، مقابل أن يتولى الدكتور أياد علاوي مجلس الوطني للسياسات العليا (لم ير النور) بسبب عدم وجود توصيف له في الدستور العراقي!.
مع عدم إغفالنا للتأثير الأمريكي الذي بدا واضحا للعيان من خلال الرحلات المكوكية لنائب الرئيس الأمريكي السيد جو بايدن، ذلك أن أمريكا كانت لها مصلحة في إستقرار الوضع الأمني في العراق، وإحلال الديمقراطية فيه، لأنها أول من بَشر بالديمقراطية؛ عبر إسقاط نظام صدام وإحلال نظام أخر محله، كذلك لديها جيش يبلغ تعداده 140 ألف فرد، يجوبون أرض العراق طولا وعرضا، من هنا كان لزاما على الولايات المتحدة أن ترى حكومة تأتمر بأمرها، الى أن تخرج قواتها بسلام من العراق.
المؤثر الثاني في الوضع العراقي، الجارة الشرقية إيران، فإيران كان يقلقها الوضع العراقي مع وجود هذا العدد الكبير من القوات الأمريكية، لذلك تراها قامت برحلات مكوكية لتوحيد الشيعة في حكومة تحمي جبهتها، بغض النظر عمن يكون رئيس الوزراء، ولو أنها أخذت جانب السيد المالكي في وقتها.
المؤثر الثالث، هم دول الخليج وبالتحديد السعودية وقطر نوعا ما، من خلال ضخهما للأموال على جبهتين مختلفتين، ففي الجبهة الأولى نراهما أغدقتا الأموال والمشورة على السُنة، ليتوحدوا في جبهة واحدة ضد (الرافضة)، وعلى الجبهة الثانية أغدقوا الأموال على مرشحين شيعة ( خاصة في المحافظات الجنوبية) ليس لشيء؛ إنما فقط لتشتيت الأصوات الشيعية، لكن تأثيرهما على تشكيل الحكومة كان ضعيفا؛ مع أن دورهما كان كبير في تعطيل عملها.
في هذه الإنتخابات الصورة ستكون مغايرة بصورة كبيرة، ذلك أن الولايات المتحدة لم تعد مشغولة بالعراق مثل ذي قبل، لأنها إستطاعت وبعد جهد جهيد أن تروض إيران نوعا ما، من ناحية برنامجها النووي، فهي مشغولة الأن بالأزمة الأوكرانية، والتي لامست حدود أوربا لأول مرة منذ توقف الحرب البادرة بينها وبين الإتحاد السوفيتي (روسيا اليوم)، كما أن إيران لم يعد يهمها من يتولى رئاسة الوزراء؛ بالقدر الذي يهمها أن يكون الشيعة متحدون في مواجهة المكونات الأخرى، دول الخليج كلا منها مشغول بشأنه الداخلي، فالسعودية مشغولة بمن سيخلف الملك عبد الله بعد وفاته، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار وجود جيل من الشباب ينتظر أن يحصل على فرصة الحكم، أزاء الجيل المُسن من عائلة آل سعود، وقطر اليوم مشغولة بترميم علاقتها مع السعودية والإمارات العربية والبحرين، بعد تدخلها السافر في شؤون هذه الدول.
من هنا فإننا أزاء معركة بين الكتل الفائزة من نوع أخر، فهم الأن في مواجهة بعضهم البعض؛ بدون أن يجدوا من يوجههم في كيفية إدارة هذه المعركة والفوز فيها.
السيد المالكي اليوم يملك أكبر عدد من المقاعد في البرلمان القادم، وإذا أضفنا له من سيأتلف معه في قادم الأيام؛ فإنه في أحسن الأحوال لن يتجاوز عتبة 145مقعد، الأمر الذي سيضعه أمام إختيارات صعبة، فالتحالف الوطني مع أنه لم يحدد الآلية الخاصة بتسمية مرشحه لرئاسة الوزراء، فهو يصرح في أكثر من مجلس أنه لن يأخذ بعدد المقاعد التي حصل عليها السيد المالكي؛ ذلك لأنه لو عدنا الى الحكومة الأولى التي كان السيد المالكي رئيسها، لم يكن حزب الدعوة حاصل إلا على ما يقرب من 12مقعد؛ ومع هذا حصل على رئاسة الوزراء؛ لأنه كان مرشح التحالف الوطني العراقي، وهم اليوم يعتقدون بأن المالكي أخذ فرصته كاملة، ومع هذا لم ينجح في إدارة الحكومة، فقد فشل وبإمتياز في كل المرافق، كما أن الشركاء في الوطن لديهم ملاحظات على عمل الحكومة، وهو الأمر الذي يعني بأنهم ضد ترشيح المالكي لرئاسة ثالثة؛ ولو أن السيد محمود عثمان عضو التحالف الكوردستاني قد قال في مقابلة لإحدى الفضائيات، بأن التحالف الكوردستاني يهمه بالدرجة الأولى مصلحة الإقليم؛ فمن يحقق هذه المصالح سيكون مقبول لديهم، ومعلوم أن السيد عثمان عضو مستقل في التحالف الكوردستاني، كما أن السُنة أخذوا يلملمون شتاتهم في كتلة واحدة، وهؤلاء لديهم موقف قوي من ولاية السيد المالكي الثالثة، فالسيد النجيفي يمثل الولاية الثالثة بأنها ( خط أحمر)، كما أن أزمة الأنبار ما زالت ماثلة للعيان، وممثلوا أهل الأنبار في البرلمان الجديد لن يكونوا بأقل شدة من موقف السيد رئيس مجلس النواب، مع العلم أن دولة القانون صرحت أكثر من مرة أنها ضد ترشح السيد النجيفي لرئاسة مجلس النواب القادم.
يبقى موقف الإئتلاف الوطني العراقي، هل سيكون صوته صادحا في رفضه تولي المالكي لدورة ثالثة؟ أم أنه سيوافق على توليه هذه الدورة؟
هذا ما سنحاول دراسته لاحقا...