ليست هي المرة الاولى ولا اظنها ستكون الاخيرة ، امس ِ وصلت الى مقر عملي متأخرا عن الدوام نحو نصف ساعة لا ذنب لي حتى في دقيقة واحدة منها . اما سبب التاخير فان سيارتي المحالة على المعاش والمتوفية سريريا توقفت ضمن طابور طويل كنت في مقدمته تقريبا وقف ينتظر باعصاب مشدودة ابتعاد غزال نافر عن وسط الشارع . ولان طريقي الى العمل يمر عبر منطقة غابية نسبيا فان الغزلان ترى متنفسا في الليل وتتصرف وكان الشوارع ملكا عضوضا لها فتسرح وتمرح بعد ان يأتي الظلام . لا شك ان معظم السائقين الذين كانوا قدامي وورائي في الطابور هم غربيون كفرة فجرة فهذه بلادهم وانا المسلم الدخيل بينهم ، لكن هؤلاء الكفرة لم اسمع منهم حتى صوت منبه واحد يشعر الغزال المزعج بانه ليس في مكانه المناسب ، والجميع انتظروا رغم ارتفاع سعر الزمن لديهم حتى ارتأى ذلك الحيوان الوسيم المشهور بلفتاته ان يرفع اذاه عن طريق الكفار ، فمر ومروا بسلام مكبدا عشرات السيارات عشرات الساعات من الوقت الضائع والوقود المهدور . من عاش او يعيش في البلدان المتحضرة التي تحكمها قيم مدنية رصينة سيتفهم موقفي من دون جدال ، اما الذين يظنون بان الله اصطفاهم دون غيرهم للدفاع عن قيمنا البالية فهم اكثر الناس جدلا عقيما . نفخر بان نبينا وهو اشرف الخلق طرا منعنا منعا باتا بالمثلة حتى بالكلب العقور ، وجميعنا سمع بقصة غضبه على واحد من مقربيه يرجح ان يكون اسامة بن زيد بن حارثة لانه قتل شخصا قال لا اله الا الله لينجو بجلده ، حيث نهره الرسول بقولته الشهيرة "هلا شققت عن قلبه" ... ترى ما هي الثقافة التي جعلت طابورا من البشر الكافر ينتظر حيوانا اغرز قرنيه وسط طريق عام بكل عناد على مدى نصف ساعة ، و ثقافة اخرى تزعم انها مؤمنة بكل ما انزل الله من شرائع جعلت من قتل الانسان وسيلة من وسائل التقرب الى الله والدخول في جنة عرضها السماوات والارض يظن شيوخ الضلالة انها ازلفت للقتلة والذباحين . ثقافتي بالاديان الاخرى متواضعة لكن يكفيني من الاسلام ان كتابه الخالد ساوى قتل النفس المحرمة بقتل الناس جميعا ، فاي حرمة لدم الانسان يمكن ان تمنحها شريعة سماوية كهذه الحرمة الصارمة . ربما استطيع اقناع نفسي بالمجازر التي ترتكب في سوريا يوميا ويذهب ضحيتها العشرات ، فان رحاها تدور بين طرفين او اكثر متواجهين بالسلاح والعتاد ، لكن ما لا اقوى على استيعابه هو هذه المقتلة العظيمة التي تجري في العراق منذ عشر سنوات . طرف منها جزار يتصاغر امام انجازاته العظيمة حجّاج العراق الثقفي والطرف الاخر اولاد الخايبة الذين لم تعد اخبار ذبحهم اليومي تثير شعرة في ذيل المسؤولين . كل هذا ينفذ تقربا الى الله ووفاء لمدرسة محمد ، ليس محمد بن عبد الله الذي يتجنب القسوة حتى مع الكلب العقور بل محمد بن عبد الوهاب الذي ساوى هو و وحوشه الكواسر بين الكلب العقور واي مخلوق لا يعتنق مذهبهم الضال المضل.
مقالات اخرى للكاتب