ما زال المجتمع السّوري يعتمد في بناءه على بناء الأسرة كلبنة أساسية وما زال يعتبر الزواج مقدّسا ويولي له كل الاحترام لفوائده الصحية والنفسية لكلا الجنسين فيرفض شرعاً وقانوناً وعرفاً العلاقات غير المشروعة خارج إطار الزوجية ويحارب الشذوذ أو التلاعب بهذا الركن عكس البلاد الأوربية التي تختلف كثيرا وبشدة حتى أباحوا أخيرا قوانين لزواج المثليين ….
ولكن و بعد خروج المرأة ونهضتها نحو التعلم و العمل خارج البيت ووقوفها إلى جانب الرجل صفا بصف … ثم بعد انتشار الأزمة السورية و تأثيرها على الأسرة السورية بشكل قاسٍ و خطير نجد ظاهرة الطلاق المبكر تغزو البيوت والأسر وللأسف الشديد رغم أنه أبغض الحلال عند الله .. وعلما انه كان أكثر ا?سباب للطلاق سابقا هو الوضع الاقتصادي وقد تغيرت هذه الفكرة في بداية مطلع هذا العقد بعد انتعاش الحالة ا?قتصادية لعموم البلاد العربية قابلها قصور في الرؤى والتفكير لعقول أبنائنا وبناتنا فأصبحوا يقبلون على الزواج بدون دراسة وتروي مما يؤدي إلى زواج محطم وزوجه بائسة وان رزقوا بأطفال فمصيرهم الجهل والتشرد….
لغرض مناقشة هذا الموضوع والوقوف على أسبابه وحيثياته ووووو….باعتقادكم من هو المسؤول عن هذه المشكله …
هل إن الأسرتين هي السبب ؟؟
أم بسبب التعارف السطحي والتعارف الاسري المحدود ؟؟
أم بسبب التوافق الإجتماعي واختلاف البيئه الاجتماعية للطرفين ؟؟
أم بسبب قصر فتر ة الخطوبة ورغبة الاثنين في الازواج المبكر خوفا من تقدم السن والعنوسة ؟؟
أم بسبب النظرة القصيرة للرجل والمرأة والسطحية في الإختيار على أساس المظهر والمال والجاه وما شابه ؟؟
كثيرة هي مسببات الطلاق وتنقسم بين الرجل والمرأة وأسرهم والبيئة ……
رجوت مناقشة هذه الظاهرة ومسبباتها مع شريحة اجتماعية متنوعة البيئات و الظروف و كم كانت الإجابات متفاوتة ومتغايرة..
حاتم السّاعي وهو أستاذ جامعي اختصر المشكلة برأيه بحديث موجزه : المشكلة متفاقمة أكثر مما نتصور إذ أصبح الطلاق يظهر في الأسابيع الاولى و الأيام الاولى أحيانا وهذه مشكلة كارثية ليس لها حل سوى ألم وحسرة…. و إننا لنلاحظ أن الشاب والفتاة أصبحا لا يعرفان ماذا يريدان حتى مع أنفسهما يسعيان بكل حواسهما إلى الزواج وعندما يتحقق تبدأ المشاكل البسيطة وهي من التوافه فالاستيعاب والتفهم يأتي من العقل والتروي لكن للأسف شبابنا لا يعرف ماذا يريد من نفسه .. أعلم بحالة طلاق بعد شهر ونصف من الزواج و السبب نختصره بالعنف الجسدي الجنسي الذي شكل حالة رفض لدى الزوجة المقبلة على الزواج بجهلها النفسي و الروحي لحالة الزوج المفاجئة …
ماهر الصوان تاجر بسيط عندما سألناه عن الأسباب ردّ طيبا : كنا سابقا إن سمع أحدٌ من أهلنا أن البنت تركت البيت وقررت التوجه إليهم يقوموا بتوبيخها وردّها إلى بيت زوجها بأسرع وقت مما يؤدي إلى عدم تكرار الحالة مستقبلا أما الآن فاختلف الوضع كثير جدا فنجد الأهل يشدون على يد ابنتهم و يشجعوها و يزيدوها ثقة بقلة صبرها و احتمالها وكأنها تزوجت من شخص مشروط الأخلاق والتعامل و وفق الطباع…
السيدة إيمان زيدان وهي ربة منزل متعلمة قالت : في رأيي إن للطلاق أسباب كثيرة ومتشابكة منها 1-البعد عن صحيح الدين وعدم فقه نصوصه سواء من الزوج أو الزوجة 2 – الفلسفة الموجهة للمجتمع الشرقي والتي تستهدف استقراره الأسري مستخدمة لذالك وسائل نافذة ومؤثره 3 – عدم قيام ولي أمر الزوج والزوجة بدورهما في الأعوام الأولى من الزواج من نصح وإرشاد ..
هناء الجبوري (أم محمد ) وهي موظفة من الدرجة الثالثة و أم لابن أقدم على طلاق زوجته قالت حول مشكلة ابنها : ابني و طليقته زوجان تم طلاقهما بعد سنة من زواجهما وأنجبا طفلا وذلك بسبب تدخلنا السلبي وخاصة أنهما كانا يسكنان معنا في نفس المنزل … تصاعدت المشاكل بيننا وعنادا من أم البنت ومني ومع الوقت أصبح الضحية الزوجين وابنهما … شعرنا بالندم القاسي يأكل ويفتك بنا وبدأنا نحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه إلا أنهما رفضا العودة نتيجة التراكمات التي استحوذت مشاعرهما ثم تزوج ابني ليغضب زوجته وقامت أم الزوجة بتزويج ابنتها لتغضب طليقها وهكذا أصبح الزواج تصفية حسابات وخلافات عائلية والضحية الطفل المسكين … وكم نشعر بالظلم لهذا الطفل و الندم على ما حصل …
أما هاني السالم فأضاف ممثلاً للشّارع السّوري البسيط متوسط الثّقافة : للطلاق أسباب عديدة قد تكون لعوامل اقتصاديه مثلا تقصير الزوج في الشأن المادي للأسرة أو تكون لأسباب الإنجاب كما أن هناك أسباب ترتبط بحكم ثقافة المجتمع الذي تربت فيه الزوجة أنّ يكون مختلف تماما عن ثقافة مجتمع الزوج وربما يكون لسبب زيادة أحد الزوجين ثقافة عن الآخر تجعل الأمر قد يكون صعب في نسبة التفاهم بينهم وقد تكون أحيانا تدخل الأهل من ناحية الزوج أو الزوجة بأشكال مباشره في كل شيء مما قد يؤثر نفسيا عن الطرف الثاني وربما يكون لقصر فترة الخطوبة حيث أن بعض من الرجال لم يظهر سلوكهم الصحيح إلا بعد الزواج وربما يكون سبب الطلاق عزوف الزوجة عن معاملة أهل الزوج بطريقه سليمة أو العكس وربما يكون السبب في مدى الإمكانيات التي طالما لم يستطيع الزوج توفيره للزوجة أو ربما يكون السبب مرتبط بعدم الاهتمام للزوجة أو العكس حيث إن عدم الاهتمام قد يولد طاقه عكسية ينفر منها الطرف الآخر ووووو .
السيدة سيلفا صبري رسامة و شاعرة قالت بشفافية لتعكس تجربتها : لقد عشت مع زوجي رغم الهوان والخلاف فللأسف المشكلة ليست في الطلاق بعينه ولكن فيما بعد الطلاق تتولد مشاكل لا حول لنا فيها ولا قوه أولا بالنسبة للأولاد تشرد تام ثانيا نظرة المجتمع للمطلقة نظره سلبيه وعدم اعتراف بشخصها كإنسانه مستقلة راقية بل كمذنبه وبالتالي تدخل قطار العنوسه ثم أن نظرة المجتمع للمطلقة نظرة دونية واستحقار دائما وان أرادت الزواج مرة ثانية فإنها يتقدم لها كبير السن الأرمل الذي لديه عدد من الأولاد ناهيك عن تلبية حاجيات الزواج من قبلها أو لوم الأولاد وتحامل المجتمع عليها ..
تعددت الإجابات و اختلفت رغم تشابهها إلى أن اختتم السيد مسعود محمد و كان يعمل كاستشاري نفسي قائلا : أنا كباحث اجتماعي في احد المحاكم أقول … تتعدد أسباب الطلاق مثل ما قال السّادة ولعل أزمة منتصف العمر التي تعتري المتزوجين لها الحصة الأكبر وأيضاً الملل الزوجي وسهولة التغيير وإيجاد البديل وطغيان الحياة المادية والبحث عن اللذات وانتشار الأنانية وضعف الخلق، كما نعرف أن كل ذلك يحتاج إلى الإصلاح وضرورة التمسك بالقيم والفضائل والأسوة الحسنة. وباعتقادي إن السبب الرئيسي هو ضعف الإيمان من احد الطرفين …. وكذلك عدم التنازل الشريكين لبعضهما ( الكبرياء ) و عدم الوجود الثقة بينهما و وجود الخيانة الزوجية بشكل كبير … ناهيك عن الدور السلبي لوسائل الإعلام الصوتية و المرئية …. ثم أضاف : للأسف الشّديد إن الطلاق ظاهرة متفشية في مجتمعنا ويرجع للأسباب الذي شرحتها وأكثر ولكن أوقاتاً كثيرةً يكون فيها الطلاق أفضل بكثير من الاستمرار مع الأسف الشّديد وخاصة عندما ترجع الأمور إلى اعتبار الرجل أنّ المرأة أصبحت ملكاً له يفعل ما يشاءه وهو يظن أو يتمني أن تستمر هذه الحياة كما ينبغي واعتقد أن المرأة في مجتمعاتنا الشرقية دائما تحت المكريسكوب وتخاف من القيل والقال أكثر من اللازم وهو يعلم تماما ما يدور في خاطره ..
كلمة أخيرة : طالما كلّنا نعلم أنّه للطلاق نتائج وعواقب لا تنتهي على كل الصعد فيجب أن لا يُتّخذ قرار الطلاق البتّة إلا بعد أن يفكّر الفرد مليّاً ما قيمة الطلاق وأثره على حياته الشخصية ..
مقالات اخرى للكاتب