تشير توقعات خبراء الاقتصاد العالميين الى ان اسعار النفط قد تستمر في تدحرجها نزولا الى ما دون عتبة 30 دولارا وهي بطبيعة الحال كارثة ستحل على الدول التي تعتمد المورد النفطي كدخل اساس في تامين احتياجتها وتمشية امور الحكم ولعل السعودية هي الدولة الاكثر امانا في ظل سيناريو ضرب اسعار النفط فهي تملك خزينا ماليا يكفيها لثلاث سنوات بقيمة 300 مليار دولار تليها الكويت لثلاث سنوات وقطر فالامارات لكل منهما سنتين، اما الدول الاخرى التي تعتاش على النفط فهي في نطاق الخطر وعلى راسها العراق الذي لايملك اي خزين استراتيجي من المال ولا يملك موارد اخرى قد تسهم في تغطية 30% على اقل تقدير من حجم انفاقه السنوي. وعن ايران فقد اعطتها سنوات العقوبات الاقتصادية مناعة ضد هذا المرض النفطي حيث طورت صناعتها المحلية واستطاعت الوصول الى نسبة اكتفاء ذاتي تقارب نسبة 75% وما يرهقها اقتصاديا هو خوضها معارك عدة على جبهات كثيرة من بينها لبنان، سوريا، العراق وشمال افريقيا بعضها بشكل مباشر واخرى بشكل غير مباشر وتنفق على التسليح وتطوير وتحديث ترسانتها العسكرية وبرنامجها النووي وهو مايثقل كاهلها اقتصاديا.
وفي ظل هذا التراجع الملحوظ لاسعار النفط يتعاظم خطر داعش في كل من سوريا والعراق فالمعارك الدائرة في العراق تكلف الموازنة الحكومية قرابة 11 مليار دولار سنويا وهو 65% من الحجم المرصود فعليا للجيش والشرطة والحشد والشعبي تحديدا لمواجهة داعش اما سوريا فتنفق قرابة 4 مليار دولار لمواجهة داعش وكلما انخفضت اسعار النفط اضطرت هذه الدول لتخفيض تخصيصات الانفاق العسكري وقد تصل سوريا الى مرحلة تعجز فيها عن الوفاء بالالتزامات المالية للتسليح وتمويل قواتها وهي فاقدة لجزء كبير من مقومات الاقتصاد اما العراق فقد يضطر الى الاكتفاء بالموقف الدفاعي ازاء داعش وقد يطول زمان بقاء الدواعش في الموصل والاجزاء الغربية الشمالية من الانبار وقد تنقلب القراءات الى تمدد الدواعش فيما لو استمرت اسرائيل والسعودية وقطر بتمويل تسليح هذه المجاميع وادامة مصادر التجنيد عبر العالم لرفد قوام القوة البشرية لهم فضلا عن دعمهم لوجستيا في مناطق النزاع التي يتواجدون فيها. ومما لاشك فيه ان المرحلة الحالية تعد حاسمة ومصيرية وعلى القوات العراقية والحشد الشعبي اتخاذ زمام المبادرة ومسك الارض وتغيير الخطط الحالية التي يعمل بها ميدانيا والتفكير بطرق جديدة لقطع الامدادات عن الدواعش لاسيما وان الحكومة تتملك القوة الجوية التي تعد عامل حسم في المعارك.
ان الاتكاء على ما قد يجلبه الغد والتعويل على احتمالات ارتفاع اسعار النفط لتحقيق التفوق عبر التسليح ومن ثم الانتصار يعد خطأ فادحا كما ان اللجوء الى عقد صفقات التسليح بنظام الدفع الاجل والاقتراض من الدول المصدرة للسلاح ايضا من الحلول الخطيرة التي جربها العراق واضرت به خلال نظام البعث وفي زمن المالكي ايضا ولاتزال تبعات تلك الصفقات مستمرة الى هذا اليوم وعلى الحكومة الالتفات الى اهمية استثمار الوقت في معاركها وتحديث خططها واستخدام استراتيجيات الحروب الخاطفة ومحاصرة العدو في موارده الحيوية وفصل المشاكل السياسية والقومية عن ميدان المعركة. ومنذ اكثر من عام تقريبا على اجتياح داعش لمدن عراقية لاتزال الخلافات السياسية بين شركاء الحكم هي السمة البارزة وهي نقطة الضعف التي يعول عليها خصوم الوطن من الدواعش لانها تعطيهم ميزة تفوق تضاف الى الازمة الاقتصادية التي تمر بها الدولة. ولربما اسهمت الخلافات السياسية في توجيه مفاتيح المحاصصة داخل المؤسسة العسكرية والامنية لكشف الخطط وتسريب المعلومات للدواعش وقد انتفعوا من ذلك ووضفوه لتحقيق المطاولة او النجاح في صد هجمات القوات العراقية وكما نرى فان مصفى بيجي يصمد منذ ثمانية اشهر بيد داعش دون استرداده من قبل قوات الحشد الشعبي التي باتت راس الحربة في معارك التحرير بينما تترهل المؤسسة العسكرية ممثلة بوزارة الدفاع وترواح القوات التابعة للشرطة الاتحادية وغيرها من القوات الحكومية في مكانها غير جادة في زج عناصرها الى قلب المعركة وبذلك فان العلاقة بين النفط وداعش علاقة عكسية فكلما انخفضت اسعار النفط زادت فرصه في التوسع وكلما ارتفعت الاسعار تضائلت فرص بقائه وتمدده.
مقالات اخرى للكاتب