لو أن ملائكة الله سألتني في ليلة القدر، ما الذي تريد أن تحققه للعراق؟، سأطلب منهم أن يقرَّ "قانون الأحزاب الوطنية" لهذه البلاد الخربة!. فأنا أرى أن كل ما يحل بالعراق من خراب، وما يستمر به من هوان، وقتل، ووسخ في كل التعاملات اليومية، مصدره أن من يدير شؤون العراق لا يريد أن يلزم نفسه أمام الشعب بأي قانون.
فمجمل فوضى التسميات الحزبوية في الساحة العراقية ـ والتي يطول الحديث في ذكرها ـ قائمة، كتلة، تجمع، اتحاد، تيار، تنظيم، جماعة، مجلس، حركة، ومنظمة، ... لا تعدو كونها "شللا" توافقية، تم تكريسها مصلحيا ولجماعة معينة، دون النظر إلى عامة الشعب بمنظار الوطنية الذي يحتم على كل حزب أن يتعهد في نظامه الداخلي، بعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين والطائفة، ولا على أساس العرق والقومية، ولا على أساس الجنس أو المنطقة، أو لون البشرة.
وإذا ما أقررنا أن بداية التغيير العراقي تكمن في الخلية الأصغر للعمل من أجل الوطن، وهي "الحزب" فإن انتظار إقرار قانون الأحزاب الوطنية الذي سيوحد الرؤية الشعبية إلى مفهوم العمل السياسي الوطني، وسيلزم الأحزاب بأن تتعامل مع المواطن على أساس المواطنة الحقة، سيكون بمثابة انتظار ولادة أو "ظهور" المنقذ الذي سيضع العراق على الطريق الصحيح، والذي يردم الهوة بين السياسي والمواطن، وبين "الراعي والرعية"، كما جاء في الأثر.
ولكن جهل العراقيين بمدى أهمية قانون الأحزاب، وغفلتهم عن أن السياسي بلا قانون "تاجر فاجر ـ بلا تفقه في الدين". فسكوت الشعب العراقي المستمر على القتل، وعلى الخراب، وإصراره على القطيعة بين "السائل والمسؤول" زاد من تفاقهم تدهور العراق. كما إن عدم مطالبة العراقيين لمجلس النواب وللمجموعات السياسية المتحكمة في مصير العراق بإقرار قانون ينظم العمل الحزبي، دفع بالسياسيين إلى التمادي أكثر، وسهل مهمة القتلة في زيادة منسوب القتل. وبدلا من أن يقوم "الفرقاء" في الاحزاب العراقية بكتابة مسودة "قانون الأحزاب الوطنية في العراق" ويعرضوها على الشعب وعلى المختصين في مجال القانون والعمل الحزبي تهربوا إلى ما أسموه "وثيقة شرف"، ليست سوى إشارة أخرى على أن من يدير العملية السياسية في العراق، لا يعنيه مصير العراق في شيء.
إن اجتماع الكتل السياسية من أجل "وثيقة الشرف والسلم الاجتماعي" ضحكة أخرى على عقول العراقيين، لأنها خطوة ساذجة تنطوي على إهانة كبيرة موجهة للمجتمع العراقي تتهمه بأنه سبب في القتل، والخراب، وتستبطن أن ما يجري من خراب ودمار في العراق سببه وجود "حرب اجتماعية" تدور رحاها في المجتمع العراقي بين مكوناته الوحشية المتقاتلة والمتصارعة التي تفخخ السيارات كل يوم، وتقتل بالكاتم كل يوم، وتمنع البلاد من مواردها، وتحول دون بناء الدولة العراقية، والرقي بسمعتها في المحافل الدولية،.. لهذا رأت الكتل السياسية أن تدعو لوثيقة شرف ـ تيمنا بصلح الحديبية ـ تكون بديلا عن قانون مغيّب للأحزاب يتهربون منه يوميا، ويتغافلون عنه ويتملصون من الحديث عن تفاصيله أو إقرار مسودته.
كان الأجدر بمن يحترم وعي الشعب العراقي ويحرص على كرامته من تلك الكتل أن يلزم نفسه بقانون يتم تشريعه دستوريا تحت قبة البرلمان، لا أن يدعو لإعادة العراق إلى عصر الالتقاط والمقايضات الصامتة التي مر بها البشر في العصر الحجري قبل اكتشافهم للغة المحكية وقبل اكتشاف النار.
الكرة دائما في (ملعب الشعب) العراقي، وسكوته المستمر على (أحزاب) تعمل باسمه بكيفها وعلى هواها، بدون قانون وطني هو إقرار شعبي بشرعيتها، ذاك أن السكوت رضى لا يحتاج إلى علامة.