لم يكن آلان أول طفل يموت بهذه الطريقة الحزينة، وبالتأكيد فانه لن يكون الاخير لان الاسباب والظروف والاحوال التي يعيشها العالم هي نفسها التي دفعت عائلة هذا الطفل الى الهجرة وطلب الملاذ الآمن واللجوء الى دول الغرب التي تستحق شعوبها وقادتها وبوليسها وهوائها وارضها كل التقدير والمحبة والاحترام في زمن لم يعد يستطيع الانسان ان يحظى بالقليل القليل من الامان والحب في وطنه وبين اهله.
صورة آلان الذي دار ظهره للعالم والذي بخل عليه بمكان صغير يستطيع ان يعيش فيه بامان وسلام وتوسد رمال شاطئ الفردوس والذي يجب تحويل اسمه من اليوم الى شاطئ آلان، شغل العالم والدنيا بصورته المعبرة والتي هي اصدق من كل الكلمات التي تسطرها كل لغات العالم.
وقبل آلان كان هناك اطفال كثيرون كان لصورهم دور في صناعة او اعادة تركيب وترتيب الكثير من الاوضاع السياسية والاقتصادية والمصيرية لشعوب كاملة، فالعالم ومن خلال صورة محمد عمر خاورعرف بمأساة حلبجة عام 1988 وتعرف الى شعب مظلوم يكافح من اجل حريته وارضه منذ عشرات السنين، واستطاعت تلك الصورة ان تقلب الكثير من الموازين ودخل الكرد الى بيوت وكتب وعواطف وعقول العالم، كما كانت صورة محمد الدرة الفلسطيني دورها الكبير في مساعدة واستمرار انتفاضة الشعب الفلسطيني الذي هو والشعب الكوردي توؤمان في المعاناة والنضال.
صورة الطفل الغريق آلان كانت حبل النجاة والانقاذ لعشرات اومئات الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء الذين تعرف العالم الغربي واصيب بالصدمة والشعور بالذنب من جراء القوانين التي تم تشريعها خلال السنوات الاخيرة خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ايلول ووصول العديد من الاحزاب اليمينية والمعادية للاجانب وخصوصاً القادمين من دول الشرق الاوسط وحدث زلزال في التفكير والقرار السياسي في العديد من دول اوربا والتي لاول مرة في التاريخ يستقل اللاجئون القطارات والباصات من دولة الجيك باتجاه النمسا والمانيا التي كان لها ولمستشارتها(ميركل) موقف انساني عظيم. بالمقابل كشف موت آلان هشاشة الانظمة والمجتمعات العربية والشرق اوسطية عموماً والتي يبدو ان ابواب الحياة قد سُدت فيها بفعل الظلم والحروب والقتل اليومي المستمر منذ عدة سنوات سواء بيد الانظمة او المعارضة او الميليشيات، والتي يبدو انه ما من نقطة ضوء في الطريق المظلم وان هناك الملايين من اللاجئين الذين لو توفرت لهم الفرصة والامكانية لاختاروا طريق آلان وعبروا الحدود والبحار من اجل الحرية والحياة الكريمة. الصدى والآثار التي احدثتها صورة آلان كان لها دور كبير في التعاطف العفوي والشعبي والاعلامي والسياسي على مستوى العالم اجمع حتى ان رئيس دولة فنزويلا عرض استضافة 7سبعة ملايين لاجئ في بلاده وفتح ابواب بلاده لغرض المساهمة في حل هذه الازمة العالمية، والتي سوف تستمر وتكبر ما لم تبادر الدول الغربية نفسها بالضغط على امريكا بوجوب تغيير نهجها وسياستها في المنطقة، والتي يبدو انها المستفيد الاول والاخير من كل ما سمي بالثورات والتغييرات في العالم العربي لأنها اللاعب الاساسي والرئيسي في خلق واستمرار معظم الازمات بدلا من حلها لانها تعمل وتسير وفق استراتيجية (الفوضى الخلاقة) وبما يتيح لها التحكم في كل الازمات من دون تقديم حلول او اصلاح، وان اوربا وحدها المتأثرة بسبب قربها الجغرافي وبعد امريكا عن مسرح الازمات والحروب. واخيرا فان صورة آلان ستظل الى زمن بعيد مستقرة في الاذهان والوجدان الانساني وستدفع العديد من الشعراء والادباء والفنانين الى كتابة الكثير عن معاناة ومأساة المهاجرين والمُهجرين والنازحين واللاجئين والمُبعدين..الذين وان اختلفت عناوينهم وجنسياتهم وقومياتهم فانهم يشستركون في صفة واحدة هي المعاناة والحاجة الانسانية والتي دفعت عائلة آلان الى المصير الذي صار اليه ..والذي صدق الشاعر الكوردي عبدالكريم كيلاني عندما وصفه:
لقد نجوت انت ..
لكننا نحن الغرقى ..
في بحور الدم.
والندم.
مقالات اخرى للكاتب