يصرح القرآن الكريم ({وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِى الشاكرين}: ليضع قاعدة لمسير الإنسان في هذه الحياة، وفق هذه المعادلة الدقيقة التي تعطيه حق الاختيار، في تعبير واضح جلي عن الديمقراطية، وفق عرفنا اليوم، فكون الإنسان مخير بين الدنيا والآخرة يسلك أيهما شاء، ليؤدي استحقاق خياره، ويتحمل نتائج هذا الخيار.
عندما نطبق هذه المعادلة على من ابتلى بالتصدي للعمل السياسي، نجد تطابق المعادلة بدرجة كبيرة، فساسة الدنيا وتجارها يعنيهم كسب رضا الناس، بأي وسيلة، عندما يصطدم هذا الرضا بفشلهم، يلجئون إلى الكذب والدس والاستغفال، واستخدام كل السبل الشرعية وغير الشرعية، في الوصول إلى الهدف رغم علمهم بمرحليته.
أما رجال الدولة، فهم أيضا يعملوا بالسياسة، لكن وفق نهج ومنهج يبغي الآخرة، لذا تعنيهم خدمة الناس في مشروع طويل، للوصول إلى رضاهم، بالتالي يخسرون الكثير حتى من مقربيهم، لبعدهم عن الطرق غير المشروعة في إرضاء الآخرين.
هذا الحال مر ويمر به العراق، منذ تأسيس الدولة العراقية إلى لحظتنا تلك، حيث مزق رجال السياسة الشعب العراقي، تحت عناوين وشعارات براقة دون أن يقدموا أي خدمة، يمكن أن تعود على الناس بالخير، كون خططهم وبرامجهم تستند إلى الإرضاء المؤقت للشعب، من خلال الشعارات والاستغفال، ساعدهم في ذلك عدم استفادة الشعب من التجارب الكثيرة، التي مر بها ولم يجني سوى القتل والدمار وضياع الثروات وتبددها، ولم يسند رجال الدولة ألبته على مر تاريخه الطويل.
اليوم حيث حصل التغيير، وتولى أمور الحكم عدد من رجال الدولة، ممن يشهد لهم الجميع بالنزاهة والعلمية، في وضع البلد على السكة الصحيحة، على كل المستويات، بعد سنوات من العشوائية والتخبط، ينبغي أن يعي الشعب الدرس جيدا، من خلال الوقوف خلف هؤلاء الرجال، من خلال الصبر على النتائج، وتحمل المعاناة الذي تحتاجها عملية إصلاح الوضع، المأساوي الذي خلفه رجال السياسة.
خاصة وان بعض المتصدين اليوم، تمت توليتهم رغم رفضهم لهذه المهمة، للثقة العالية بقدراتهم وإمكاناتهم، على حل المعضلات في الملف العراقي، كذا مواجهة عمليات التخريب والدعاية والإشاعة، التي يقوم بها الفاسدين والمفسدين ممن عاثوا بالبلد، ومقدراته طيلة سنوات ثمان عجاف، ووقوفهم بوجه أي عملية إصلاح، لأسباب عدة أبرزها فضح فسادهم وفشلهم، وظهور نجاح من حاولوا طيلة سنوات إسقاطهم، في نظر الشارع بأساليب قذرة، لا يستخدمها إلا من لم يلامس الإيمان قلبه، وغادر ساحة الإنسانية منذ نعومة أظفارة.
عندما نضع أولويات الإصلاح، نجد الأمن يقف على رأسها، ولتحقيق هذا الهدف، نحتاج إلى انسجام بين مكونات الشعب العراقي، ومن يمثلهم في الساحة السياسية، وأيضا يحتاج إلى إصلاح اقتصادي، يجنب البلد المنزلقات الخطيرة، التي يسهل عليها اجتياح بلد ريعي، يستخدم مصدر دخل آحادي، كما هو حال العراق مع النفط، لنجرب أن نقف خلف رجال الدولة، لنرى الفرق بينهم وبين رجال السياسة في كل المجالات...
مقالات اخرى للكاتب