تعاقبت العهود على العراق من منذ الحكم الاميري العثماني مرورا بالانتداب البريطاني الى العهد الملكي وصولا الى الجمهوري الا ان ملكية الاراضي الزراعية بقيت بيد الدولة في مساحات شاسعة من محافظات الفرات الاوسط والجنوب،ولو ملكت للفلاحين المنتجين بعدالة –وهو افتراض طبق في دول اخرى-لكان هناك فارق شاسع على الاقل فيما يتعلق بالانتاج الزراعي وتنوع وكم المحاصيل وجودتها قياسا بالمستورد،فضلا عن حملة استصلاح ستبدء ولن تنتهي لان الملكية مضمونة استنادا لقاعدة الارض لمن يعمرها .
هذة المناطق والاراضي التي تحول الكثير منها الى اراض جرداء غزاها التصحر مشاريع تحتاج لاعادة نظر طالما ان اليات الحل ممكنة باستصلاحها بدون تدخل الدولة وبدون فاتورة مرتفعة يتحملها المال العام وصولا الى غاية كبيرة هي ايقاف هجرة الريف الى المدينة واغناء القطاع الزراعي المتراجع انتاجيا ومعاشيا.
هذة الخطوة لو وضعت قيد الدرس ونقلت من الرفوف الى الجانب الميداني بتشريع نيابي لتحول لعراق الى بلد يصل خلال سنوات تعد على الاصابع الى مرحلة الاكتفاء الذاتي من انتاجه المحاصيل الزراعية والفواكة وهو تعزيز للامن الغذائي الذي يعتبر ركنا اساس من منظومة امن البلاد العليا،
هذة المشكلة ماتزال واقعا يتفاقم منذ اوائل القرن الماضي وكانت السبب في اجبار الفلاحين على ترك قراهم الى المدينة وتراكمت العهود والانظمة وكانت النتيجة ان كثيرا من الاراضي مهملة وكثيرا من الفلاحين بلا زراعة،وتحول العراق الى مستورد وسوق للاستهلاك اليومي دون ستراتيجية واضحة لحل هذة الازمة فيما لو انقطعت مصادر الاستيراد لسبب او لاخر.
بعض البلدان العربية اضطر الى استيراد فلاحين مثلما يستورد ايدي عاملة وطالما ان لدينا الاراضي الشاسعة ولدينا اعدادا لا يستهان بها من الفلاحين فماذا ننتظر..
هناك بعض الفلاحين الذين مايزالون يزرعون الاراضي كأجراء واخرون بعقود مؤقتة مثل الايجار السنوي ،يمكن ان يتضاعف انتاجهم او يدوم لو تم تحويلها الى ملكية مضمونه للفلاحين الذين يواجهون قائمة مصاعب يكلف تجاوزها فاتورة مكلفة تبدء بتوفير البذور ومياة الري وحفر الابار والحراثة والكهرباء وصولا الى الحصاد ثم التسويق الى الاسواق المحلية التي تعج بالمستورد.
وبمراجعة القوانيين التي صدرت خلال فترة العهد الملكي بين عامي 1920-1958 بمجملها لم تستطع تقديم نصف معالجة لملف الملكية الزراعية وظلت غالبية الاراضي الزراعية بيد فئة قليلة من الملاك (الاقطاعيين) وحرم منها الفلاحين الذين كانوا وقتها يشكلون السواد الاعظم من المجتمع العراقي،
تمثلت ملكية الاراضي الزراعية في العراق قبل صدور قانون الاراضي العثمانية سنة 1858 في ثلاثة اشكال رئيسة منها الاراضي المملوكة للافراد ونسبتها ضئيلة في العراق، والاراضي الموقوفة، والاراضي الاميرية، أي المملوكة للدولة، وتشمل معظم اراضي العراق،كان الفلاح يحصل على حق زراعة الاراضي الاميرية بعد دفع مبلغ من المال يسمى برسم الارض((رسم زمين)) وهذا المبلغ يعد بمثابة ايجار للارض، ولا يحق له بيعها او رهنها او تحويلها الى اوقاف،
وعندما اصبح مدحت باشا والياً على العراق سنة 1869 طبق قانون الطابو الذي سمح بتمليك الاراضي الزراعية، وبموجبه تحول رؤساء العشائر والاغوات الى مالكين لاراضي واسعة،فقط لان الفلاحين فقراء ولم يكن بمقدورهم شراء الاراضي من الدولة على الرغم من اسعارها الواطئة،وكان سعر الارض التي تنبت الشلب قيمتها (75) قرش والاراضي التي تزرع الشتوي بـ(50) قرش، وأراضي الصيفي بـ (20) قرش والاراضي السكنية القابلة للعمران بـ(7) قروش.
ورثت السلطات البريطانية هذه المشكلة من الدولة العثمانية ورغم انها اصدرت عدت بيانات كانت بمثابة حلول مؤقتة اطلقت عليها مفهوم التسوية، لكن شيئا لم يتغير!.
يمكن القول انه خلال ستين عاماً من1869-1929 لم يتحول من اراضي الدولة الى ملكية الافراد الا بنحو 20% من مساحة الاراضي الزراعية المستصلحة، اما في الثلاثين سنة التي تلت وحتى عام 1975 فقد بلغت نسبة الاراضي المفوضة بالطابو (السجل العقاري) نحو 40% من مساحة الاراضي الزراعية المثتثمرة، كما ان 30% منحت بالزمة (وضع اليد)التي لا تختلف كثيراً عن الطابو.
اما عن مدى استفادة الفلاحين من القوانيين التي صدرت خلال مئة عام خلا فيكفي ان نعلم ان 75% من مساحة الاراضي الزراعية المستصلحة كانت بحيازة كبار الملاكين و25 % فقط بحيازة الفلاحين وصغار الملاكين. وبقي 85 % من سكان الريف لا يملكون شبراً واحداً.
مقالات اخرى للكاتب