يجري الحديث كثيرا هذه الايام عن قدرات تنظيم داعش السينمائية. فمنذ فيلم حرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة وحتى اليوم لم تهدأ الماكنة الإعلامية العربية والغربية عن الحديث عن "الإحترافية" التي جرى بموجبها إخراج هذا الفيلم الأكثر دموية في تاريخ الموت في كل عصور البشرية. الخلاصة التي انتهى اليها جميع من تفحصوا هذا الفيلم والذي تكرر في عمليات مماثلة ان هناك من يعمل مع داعش من السينمائيين المحترفين اخراجا وتصوريا ومونتاجا. إن السؤال الجدير بالطرح في سياق هذه القصة التي باتت تتفاعل في الاوساط السياسية والسينمائية على حد سواء هو ماهي الرسالة التي يريد هذا التنظيم ايصالها حيث من غير المنطقي ان تكون عينه على الاوسكار مثلا ؟ لاتصعب الاجابة عن هذا السؤال من الناحية المنطقية حيث انه يسعى الى نشر الرعب والخوف في نفوس الجميع. فهذا التنظيم الدموي الذي اطلق على فيلم الكساسبة تسمية "شفاء للصدور" في مسعى تاويلي بائس ومنحرف لإحدى آيات القران الكريم وهي الآية الرابعة عشرة من سورة التوبة "قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين" انما يريد اشغال الجميع ليس بدوافعه المنحرفة والمرضية بل بقصة قدراته في توظيف التكنولوجيا المعاصرة والتي هي من اوجه اخرى عندما لاتلائم توجهاته تعد رجسا من عمل الشيطان.
فيما يتعلق بسينمائيي داعش فانه لايوجد اي تبرير اخلاقي لمن يوظف قدراته الفنية في رسالة الفن الانسانية ومنها السينما والهبوط به الى هذا المستوى من الانحطاط والدونية. فاي تبرير اخلاقي او قيمي او فني يمكن ان يقدمه هؤلاء الفنيون وهم يجبرون انسانا بريئا يسوقونه الى الموت باجباره على تمثيل موته في اطار صناعة سينمائية وبضمير ميت والقيام بحركات سينمائية بالغة الإتقان بينما تباشر النيران التهام جسده أمام أنظار المصور والمخرج والمونتير؟ داعش لايبرر الجريمة بل يلجأ الى تاويلها في محاولة للهروب الى الامام لكن بالعودة الى نصوص دينية سواء من القران أو السنة وذلك إما بإجتزائها او أخراجها من سياقها لكي يبني عليها تصوراته الإجرامية في الواقع وفي السينما معا. وإذا كان داعش يسعى بلا هوادة من أجل إحداث أكبر قدر من الرعب في قلوب الناس فإنه يعرف أن ذلك ليس هو الوسيلة لكسبهم الى جانبه بل لانه يريد أن يقول للجميع إن مصيركم لن يكون اكثر من فيلم يبثه على مواقع الأنترنت او اليوتيوب. المفارقة أنه في الوقت الذي يتوجب فيه أن تكون ردود الفعل على مثل هذا العمل بمستواه من حيث مواجهة داعش حتى من قبل المؤسسات الدينية والفقهية ممن اصدر بعضها بيانات إدانة لجريمة قتل الكساسبة وغيره وكأنها مجرد جريمة قتل عادية وليس مستوى جديد فريد من نوعه في الإجرام. واخيرا لابد من سؤال .. هل تمكن داعش من إستدراجنا جميعا الى منطقة "قتل" كلامية لجهة الإنبهار بالقدرات الفنية والإخراجية لافلامه التي يريد من خلالها اثارة الهلع والخوف لا اكثر؟ الجواب من وجهة نظري لا.. فلقد بات داعش يخسر ما تبقى له من حواضن ولم يربح .. السينما.
مقالات اخرى للكاتب