كنا بانتظار العرس الانتخابي الذي راهنا جميعا أن يغير الخارطة السياسية ويزحزح رتابتها وعدم جدواها ويحررنا من مرحلة مليئة بالأخطاء والتجاوزات وملفات فساد واهمال واضح ومقصود لاعادة البنية التحتية وإيجاد الحلول لمعاناة العراقي اليومية والخروج من نفق الطائفية المظلم .
لكن الفرحة لم تكتمل، فتراكمت الأسباب التي أبقت دار لقمان على حالها، أهمها وأخطرها، عزوف الناس عن التصويت بعد أن أخذ بهم اليأس مأخذه، اعتقادا منهم واهمين بأنه الرد المناسب لإعطاء درس للمجالس السابقة في الوطنية والوعي الانتخابي الحريص على التغيير، لينعكس مثل هذا الموقف غير المسؤول بكل مصائبه على الناخب نفسه، بعد أن ترك الساحة للمقربين من السلطة من المغرر بهم والبسطاء ولدوافع لا تعد ولا تحصى، للإدلاء بأصواتهم فرحين بغياب الرافضين لمبدأ الانتخابات والتي كادت أن تعيد تصحيح مسار العملية الخدمية والسياسية برمتها وتغيير الوجوه السابقة، لا كما أعتقد العازفون خطأ، لتصحيح الزلة التي ارتكبوها بانتخاب المجالس السابقة، فكانت الطامة الكبرى. رغم كل ما قام به ذوو العلاقة في الشأن الانتخابي، من أحزاب ديمقراطية، وتيارات علمانية، ووطنيين أحرار، وإعلاميين شرفاء، من تحذيرات وتنبيهات ودق ناقوس الخطر ولكن لا حياة لمن تنادي.
مضافا لهذا السلوك غير المسؤول من لدن الناخب، السلبيات الكثيرة والكبيرة التي رافقت عمليات التصويت، منها غياب أسماء الناخبين، وعدم وجود وسائل نقل للمصوتين، خصوصا الشيوخ والنساء والمرضى والقاطنين في أماكن بعيدة، والأخطر من كل هذا، ما وقع من شطط فاضح وغير مسؤول يصل لمستوى التزوير بخطوطه الحمراء، بالسماح بالتصويت الجماعي، بمعنى أن رب الأسرة يجمع كل أصوات عائلته في سلة واحدة لضيق الوقت وقرب غلق مراكز الانتخابات، وجاء هذا الخرق الفاضح باتفاق المفوضية مع الكتل السياسية الثلاث المعروفة، وعدم مبادرة المفوضية العليا للانتخابات بتمديد فترة التصويت لساعات أكثر وكأن الأمر كان مدبرا.
المهم كانت تجربة جديدة بكل سلبياتها وحيثياتها المعلنة والمتستر عليها، على أمل أن نراهن على المستقبل ونمنح الفرصة للمرشحين الجدد بتبيان استعدادهم في العمل وزحزحة الاوضاع الكارثية، وهي رسالة انذارية للجميع بأن الناخب يبقى هو سيد القرار في حالة التراخي وادارة الظهر للوعود الانتخابية، بعد أن اصبح العراقي على دراية كاملة بتفاصيل اللعبة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فان عزوف أكثر من نصف الناخبين عن الادلاء بأصواتهم كموقف احتجاجي يعتبر موقفا واعيا بعدم جدوى العملية في ظل التردي الخطير في كل مفاصل الادارة المحلية، رغم تحفظنا على هذا الموقف اللامسؤول، وعدم ذهاب الفائزين بقناعة أنهم الأكفأ، فكانت ضربة حظ، إنما لا بأس من اعطاء فرصة للآخرين لإثبات حسن النوايا، بعد أن بلغ الاحتقان للعراقي مديات لا يمكن التحكم فيها إذا ما انفجرت، وعندها سيتوضح الخيط الأبيض من ذلك الأسود الذي لا نتمنى أن يكون هو السائد بدمسه وعتمته وظلامه المخيف ونتائجه الكارثية على الجميع دون استثناء.
أحسب أن العراقي لم يعد ذلك الذي يخضع لقدر الأفعال غير المسؤولة التي تتحكم بمصيره، وليعلم القادمون الجدد أن معيار الوطنية سيكون مدى ما يقدمونه من خدمات وتحريك ملفات تكدس عليها الغبار ولا من يعيد اليها الحياة.
دعونا ننتظر وإن غدا لناظره قريب وقريب جدا.
مقالات اخرى للكاتب