إن مصيبة البلاد والعباد تكمن في تزييف الوعي وتلفيق مبررات كاذبة وتزوير الحقائق للقيام بتسويق المواقف والممارسات الواضحة التي لا تخطئها العيون فهناك من يخادع نفسه ويجهدها في اختيار الكلمات وحشد المفردات اعتقاداً منه أنه يصنع تأثيراً أو يرد على منتقد فيفحمه متناسياً أنه يقوم "بطلبة الله" ليس إلا يملي جيوبه وينفع نفسه مؤقتاً .
فما نقرأه لكتاب وصحفيين وأدباء وشعراء أو من يجمع كل ما سبق "كاتب ،صحفي ،شاعر وأديب" نجد ان بعض الكتابات يجهد اصحابها انفسهم في رص الكلمات وحشد أغربها وايراد بعضها في غير سياقها لزوم الشطح والنطح والظهور أمام من دفع أو سيدفع بمظهر البطولة ومن قام بالمهمة خير قيام ليس إلا.
إن مصيبة البلاد والعباد تكمن في النظرة للواقع بعين المستفيد أو الخاسر كأن الاستفادة والخسران أمر ثابت فالتحيزات التي تكتنف بعض الكتابات مع وضد تدفع بعض الكتاب الى الظهور كشقاة وكتبه مع هذا الطرف أو ذلك وتبرز خلالها الشخصانية بشكل منفر بل ومقرف وهو ما يجعل القارئ يترك المقال من ثاني سطر أو من أول فقرة.
ان مصيبة البلاد والعباد والحرية والإعلام وحتى الشعر والأدب عندما يتحول كاتب الى بوق ومطبل ومدافع عن مراكز قوى وجماعات مسلحة مليشياتية لا تؤمن بالدولة ولا بالنظام والقانون تدوس كل ما له علاقة بالدولة والمدنية والمواطنة ، تكونت في غفلة من الزمن بنظر الدولة والحكومة أو بصمتها عنها لاستخدامها كأوراق ابتزاز ضد جماعات مسلحة مليشياتية أخرى أو خصوم يراد ازاحتهم وابعادهم.. تغيبهم عن المشهد السياسي والاقتصادي أو لتخويف أصحاب المصالح على المستوى الإقليمي والدولي استغلالاً لموقع جيوسياسي هام لليمن.
يشعر الواحد منا كقارئ بالغثيان والقهر عندما يرى بعض الكتاب ينبرون للدفاع والتبرير وحشد المفردات ورص الكلمات محاولين اقناعك بأن القتلة المدججين بمختلف أنواع السلاح أبطال يحاولون تحقيق العدل ونشر الأمن والأمان ويجب عليك مناصرتهم والوقوف معهم وإلا فأنت من الخصوم.
وهناك من يحشد كل مفردات "الشتم والتقريع والتخوين والتصنيف" لمجرد أنك لم تناصر ولم تكتب منافحاً مدافعاً عن جماعة مسلحة مليشياتية أخرى تقاتل للقضاء على الأولى وكأن هذه الجماعات المسلحة المليشياتية المتحاربة تقوم بتحقيق العدل ونشر الأمن والأمان من خلال قتل وسحل المواطنين وتدمير قراهم ومدنهم وأن حصد رؤوس البشر وتدمير القرى و المدن بسلاح الجماعات المسلحة المليشياتية واجب وطني وديني يجب تلبيته فوراً.
من المعيب بل والجرم ان ينبري كتاب وصحفيون يدافعون عن أمراء الحروب المتقاتلين في البلاد فتراهم يدبجون الكلمات ويخرطون اوصافاً بطولية ويشحتون مواقف تضامنية ويطالبون بالانخراط في الحشد والتجييش والتجنيد ليوم الفصل وكأن حال مصرلن يصلح إلا بتحول فرقائه وشعبه الى جماعات مسلحة مليشياتية.
فعندما يمتدح صحفي أو كاتب جماعة مسلحة مليشياتية ويصفها بالمخلص والمنقذ من ويلات الظلم والتعسف والاستبداد ينسى انه يصنع مستبداً جديداً وهذا ما يلاحظ ويقرأ في العديد من المقالات والأعمدة الصحفية والمعارك المتبادلة بين كتبة "وشقاة" الجماعات المسلحة المليشياتية.
ان مصيبة البلاد والعباد على مدى قرون هي اصطفاف النخب والكتاب والصحفيين والشعراء والأدباء والسياسيين مع جماعات مسلحة مليشياتية لامع مشاريع سياسية تحمل مضامين اقتصادية واجتماعية ولهذا وأنت تقرأ لمادح ومطبل لجماعات مسلحة مليشياتية ستجد كتاباته دفاع وتبرير شخصانية تمجد وتفترض بطولات ولن تجد فيها حرفاً أو فقرة تتحدث عن مشروع، عن مضمون بل عن بطولات وأمجاد وكأن المعارك التي دارت وتدور في اكثر من منطقة في البلاد لم تحصد رؤوساً وتشرد وتيتم يمنيين بشراً بل تصنع اليمن الجديد ولكن بجماجم واشلاء ودمار مناطقه وشعبه.
أقول للمادحين للجماعات المسلحة المليشياتية والواصفين للقتلة المدججين بالسلاح بأنهم أبطال يصنعون المجد ما هم إلا عبيد مصالحهم التي يرونها تتحقق مع القتل والتدمير والفوضى والاكتساح والسيطرة ، لكنهم ينسون أنهم يخلقون ظلمة ومستبدين جدداً سيأتي ظلمة ومستبدون آخرون هم عبارة عن جماعات مسلحة مليشياتية ليذيقوهم العذاب وسيرى الموالون لتلك الجماعات والمليشيات أنفسهم أبطالاً.
أما الواقفون ضد الجماعات المسلحة المليشياتية المنتقدون لممارساتها ليتهم يصبون جام غضبهم ويوجهون سهام انتقاداتهم ضد الممارسات لا ضد المناطق الجغرافية ونوعية التعبد أو المذهب ونمط الحياة يفترض فيهم أن يشنوا حملة شعواء لا هوادة فيها ضد غياب المشروع السياسي الوطني وضد اعتماد مبدأ القوة والسلاح لفرض الرأي أو المذهب أو طريقة ونمط الحياة فصعب قولبة كل المصريين وإن تم بالقوة فمآله للخراب والدمار وتاريخ مصر القريب والبعيد خير شاهد.
فالجماعات المسلحة المليشياتية وخاصة من تمتلك اسلحة ثقيلة ومتوسطة ومالاً وكادت تتحول الى دويلة أو تلك التي تحت مبرر مواجهة الأولى تجند وتحشد وتكدس السلاح فكلاهما يلجآن الى اساليب ما قبل الدولة فيستخدمان وسائل الحشد والتجييش والنصرة القذرة والنتنة "الجغرافيا، المذهب ،المنطقة" لتحقيق أعلى درجات السيطرة على البشر قبل توجيههم الى محارق الهلاك بالسلاح.
سيقول قارئ كريم الكلام إنشائي عام أين التحديد بالاسم؟ فالأسماء معروفة ومتداولة سواء الكتاب والصحفيون المتحيزون أو الجماعات المسلحة المليشياتية المتعددة وكما يقال وهل تخفى المليشيات المدججة بالسلاح؟ ولا يخفى الكتاب والصحفيون المتحيزون لها فالصحف والقنوات ومواقع التواصل الاجتماعي تعرضهم يومياً ولا يحتاجون الى ذكرهم بالاسم .
وأخيراً: للنخب والكتاب والصحفيين المادحين والمطبلين للجماعات المسلحة المليشياتية وانقسام المجتمع المصرى بعيداً عن المشروع السياسي الاقتصادي الاجتماعي الثقافي البرامجي لا تعتقدوا ان الشعب المصرى غافل عنكم إنه يعرفكم جميعاً ويعرف أنكم " تتقرصون وبالبلدي تطلبون الله " لكنها مهنة مذمومة ملعونة ، ولقادة وأمراء الجماعات المسلحة المليشياتية من جميع الأطراف سيلعنكم الله والتاريخ وأنتم تحشدون الناس الى محارق جغرافيات القبيلة والجماعة والمنطقة والمذهب.
مقالات اخرى للكاتب