حزب العدالة والتنمية وبعد ان وصل الى السلطة منذ العام 2002 اتكأ على خطابه الاسلامي المعتدل والمختلف عن النماذج الاسلامية الاخرى وناغم الغرب بخطاب مختلف عن التجارب الاسلامية السابقة، طرق ابواب الاتحاد الاوروبي عدة مرات فلم تنفع تلك المحاولات وباءت بالفشل جميع جولات الحوار من اجل ضم تركيا للاتحاد الاوروبي، ردة الفعل تلك جعلت من حزب العدالة والتنمية يعمل على تغيير استراتيجية السياسة الخارجية التركية تجاه الغرب ومنطقة الشرق الاوسط واستبدل ذلك الاندفاع نحو الغرب بمحاولة استرجاع هيبة تركيا ونشاطها السياسي الاقتصادي في منطقة الشرق الاوسط، ثم ان هذه الخطوة بحد ذاتها تجعل من الجانب التركي عنصرا فاعلا على الصعيد الاقليمي مما يقوّي الموقف التركي فيما يخص العلاقة التركية مع امريكا والاتحاد الاوروبي. خصوصا وان دولة على غرار تركيا بما تمتلك من مؤهلات سكانية ومساحة كبيرة وموقع جيوستراتيجي كل ذلك يسمح لها ان تكون لاعبا مهما بين الشرق والغرب.
انطلاقا مما تقدم ألبس حزب العدالة والتنمية السياسة الخارجية التركية ثلاثة اقنعة مختلفة تماما لتمرير الامتداد التركي ونفوذه في اتجاهات مختلفة.
إقليميا فإن الوجه التركي الابرز هو "الاسلام السني" المعتدل بنكهة تركية تحمل إرث الدولة العثمانية الطويل، ولذلك فإن تركيا قريبة جدا من المحور الخليجي وبعض البلدان العربية وبهذا الوجه تسعى تركيا ايضا لاستقطاب
بعض الاقاليم السنية في ايران، خصوصا وان المنطقة تشهد انقساما سياسيا حادا للمحاور. ولان قناع الاسلام السني لايجدي نفعا فيما يتعلق مثلا بالذراع التركي الممتد باتجاه جمهورية اذربيجان ذات الاغلبية الشيعية ( عدد سكانها حوالي تسعة ملايين نسمة ) وكذلك بالنسبة لاقليم اذربيجان الايراني ( عدد سكانه حوالي عشرين مليون نسمة) من هنا فإن تركيا تحاول التمدد هناك بوجه عرقي قومي بحت، في محاولة لاعادة شموخ الدولة التركية الكبيرة وقد نجحت في بعض الاوقات في تحريك الشارع الاذري ضد السلطات الايرانية.
اما الوجه الثالث لتركيا فهو تركيا الدولة المدنية العلمانية القوية اقتصاديا والمنحازة في نفس الوقت للقيم الانسانية وهذا الخطاب التركي موجّه بالدرجة الاولى الى البلدان الغربية ويقع في هذا السياق بعض الاصلاحات التي قامت بها تركيا داخليا وكذلك المرونة الاكبر تجاه الاقلية الكردية.
وبشكل عام فإن تركيا نجحت حتى وقت قريب في تسويق نفسها بوجوهها الثلاثة، لكن الامور بدت اكثر وضوحا بالنسبة للموقف التركي بعيد احداث الربيع العربي، حيث وضعت الامور في نصابها واصبح الخطاب التركي المعتدل منحازا بشكل كبير لطرف على حساب الاطراف الاخرى. ولهذا فإن اردوغان الذي استقبل استقبال الابطال في البرلمان العراقي في آذار عام 2011 وكانت له خطبة عصماء هناك، لم يعد يحظى بذات الشعبية في وسط وجنوب العراق في الوقت الحالي بعد سلسلة من التطورات السياسية اجبرت تركيا على الكشف عن مواقفها الحقيقية وتنسى شيئا من خطابها المعتدل. وبما ان التطورات السياسية متسارعة جدا في منطقة الشرق الاوسط، وبما ان السياسات والمصالح في تلك المنطقة متضاربة حد الجنون فإن ما تبقى من التوازن التركي بين مكونات المنطقة سوف يكون في مهب الريح.
مقالات اخرى للكاتب