الوعي ظاهرة حضارية تترعرع وتنمو في المجتمعات الرافضة للظلم ليس بالشعارات فقط كما يمثّل بعض البشر، وانما بالجود بالمال والسلاح والرجال وبكل شيء احتازت عليه لتعاقب قيود الماضي المليء بالوجوه النكرة المفرقة للجمع والمخربة للحياة بصورها الزاهية الجميلة ، وهيهات صناعة مجتمع على هذه المواصفات والإمتيازات مالم يكن الوعي في طليعة أفكاره الجياشة المتعاطفة مع التطور الإنساني في حالاته الصحيحة ، والأهم في هذه الأفكار حب الوطن لأنه شعار مقدس وقيمة عليا تساوي قيمة الإنسان ، ولتأكيد هذه الحقيقة فعلى الإنسان ان يتبرع في الدفاع عن وطنه اذا دَهِمَه خطر خارجي بدمه وماله وعِرضِه اكراما له ، وهذه السلوكية في عداد السلوكيات الراقية في آلية التعامل مع الأحداث ومؤثراتها من الداخل و الخارج .
والمبكي كيف لهذه المقاييس الوطنية كحب الوطن ودفع الأسواء عنه والحب للعرب كما جاء عن لسان نبي الإنسانية محمد(ص) : (احب العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي ولسان اهل الجنة عربي ) واستئصال الشوائب من داخل النفس ان تزدهر وهي ترزح تحت وطأة مجتمع لا مشروع لمستقبله يعيش وسط نكبات ولا بواكي عليه تفتك فيه الطائفية وسيطرة الميليشيات على الدولة أو الإمّعات التي تحرق بالشعب ؟.
انّ الحل مع وجود هؤلاء يكمن في أنقلاب الذات على ذاتها أي الإنقلاب على كل شيء دخيل استوطن في داخلها فالإنقلاب الدواء المشفي لكل وطن منكوب يطلب الشفاء من علّته ونفس وقلب مريضين يريدان الإستشفاء كذلك والسلاح النووي الرادع لدعاة التقسيم والطائفية البعيدة عن الخير والحرية بمعانيها الواسعة.
إنّ المقاطعة للقيم العربية المبصِّرة وضياع الكلمة بيننا سبب رئيسي لإنهيارنا ومن أجل أن نصل الى قناعة المطلوب وقفة حداد قصيرة على أرواح الشهداء الذين سقطوا وهم يصارعون واقعا فاسدا مريضا لنفكر فيها قليلا ونتساءل :الى متى نبقى على هذا الحال العبوس والعالم من حوالينا يقدس المعنى الحقيقي للوطنية ويعطي قيمة للزمن ويحارب الجهل والزلل بحدي السيف والقلم ونحن نقطـِّع معاني وطنيتنا بالمُديات؟.
إنْ وجد الجهل في المجتمع فأنه يعوِّق حركة الحياة ويعود بعجلاتها الى الوراء والفوضى العارمة ، والوضع عندما يكون في هذه الصورة فتختلط الأوراق ولا نعرف من هو الرئيس الفعلي للدولة ، وهكذا ناس يشيعون ثقافة تشجِّع على تفكيك النسيج المجتمعي وبعثرة الإستقرار وتغييب التراث القومي للمجتمع ليسوا رجال دولة لأنهم فشلوا في الدرس الوطني فشلا كبيرا .
والإستقرار لايتحقق في المجتمعات كما تحصل على حاجة بسهولة بل يحتاج الى تضحيات في المادة والبشر ، ومن الصعب جني تلك الثمار إلاّ في حالة التئام الثقافة بالوعي فهو الوسيلة التي من خلالها تلجأ الشعوب الى الدخول في حرب مع أوضاع ساخنة لتغييرها بما يخدم المصلحة العامة ربما هي صنيعة محتل جاء لينحت بأنيابه ساق شجرة مباركة لشعب وقع عليه الإختيار لمقاييس لاتوجد في غيره ان يكون مادتها الأساسية بإنتمائه القومي حصرا ، ومثلما كان محمد في زمانه يساوي كل العرب فليكن العرب اليوم كلهم يعادلون محمداً وذلك بإقتدائهم به وليكن كذلك جميعهم النواة الشاملة للإنسانيه في مفاصلها في الحياة من الزراعة والصناعة والثروات الى آخره من المفاصل التي تسهم في استمرارية الحياة . إنّ اتكاء الشعب على إرثه الحضاري والعمل على تجديده بما يوازي تطورات العصر الآني حالة صحية تعبر عن ثقافته الواعية ونضاله المشروع المُجَسَّد في انهاء الأزمات وبناء دولة وحضارة وترسيخ الإستقرار ليشمل الأمن والسياســـــــة والإقتصاد وماتبقى من الحلقات الأخرى لأن أي خرق استقراري في احداها هو خرق لقرينه الآخر،وابتعادا عن المغالطات فإنّ توطـّن واستقرار المقاييس المشار اليها في البداية في القلب والنفس هو المعيار لإستتباب الأوضاع بمسمياتها في انحاء البلاد كافة ونقطة الشروع لوضع العراق على طريق العزة والمجد.
مقالات اخرى للكاتب