أثارت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مؤتمر جدة ، الأسبوع الماضي ، في أعقاب اختفاء ثلاثة من المستوطنين ، بخصوص التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، ردود فعل سلبية وغاضبة في الشارع الفلسطيني ، خصوصاً في الضفة الغربية ، وبين الفصائل الفلسطينية ، التي رأت فيها تصريحات مشينة تسيء للنضال الوطني والمقاومة الفلسطينية وبمثابة خدمة مجانية لحكومة الاحتلال ، ودعماً لعمليتها العسكرية واسعة النطاق بحثاً عن المستوطنين المختفين أو المختطفين ، الذين لم تعلن حتى هذه اللحظة أية جهة فلسطينية مسؤوليتها عن الاختطاف ، في الوقت الذي تلقى فيه عباس صفعة قوية من نتنياهو برفض المصالحة معه ..!
ولا شك أن تصريحات عباس وتهديده أبناء شعبه ، ودفاعه الشرس والمستميت عن مصالح إسرائيل الأمنية ، تظهره فاقداً للشرعية وخائناً لمصالح شعبه وخارج الإجماع الوطني والشعبي الفلسطيني ، ومتملقاً لساسة وحكام إسرائيل .
وهذه ليست المرة التي ينزلق فيها عباس ويلقي بالكلام على عواهنه دون تروٍ ، ناسياً أنه رئيس وقائد لشعب يطمح ويحلم بالتحرر والاستقلال . ويبدو أن خرف الشيخوخة أصابه وأثر عليه ، ولم يعد صالحاً لقيادة شعبه الرازح تحت نير القهر والظلم والحصار الاحتلالي .
وعباس بتصريحاته هذه ، التي تأتي في إطار ما يسميها بـ "السياسية العقلانية" يغرد خارج سرب شعبه وقواه الوطنية والفصائلية ، وكان من واجبه ومسؤوليته أن يتحدث في مؤتمر جدة عن معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الحصار المتواصل ، وعن إضراب أسرى الحرية ، ويدين عمليات القمع والبطش والاعتقال التي تقوم فيها سلطات الاحتلال ضمن حملتها العسكرية الواسعة ، التي سارعت إلى شنها الحكومة الإسرائيلية بحثاُ عن المستوطنين الثلاثة ، بدلاً من تهديد ومعاقبة أبناء شعبه .
إن خطاب عباس يتناقض مع المواقف الشعبية والوطنية الفلسطينية بخصوص التنسيق الأمني ، ويشكل صدمة للوعي الفلسطيني ، ويلحق الأذى بالقضية ، ويشوه نضال شعبنا الثوري لأجل الحرية والهوية وبناء وطن الغد السعيد ، وتهديداته لا مكان لها في الحالة الفلسطينية . وكنا نتمنى لو إننا لم نسمع مثل هذه التصريحات ، التي بتنا نخجل منها ، وخاصة إنها تصدر عن زعيم ورئيس للشعب الفلسطيني .