هجرة أبي نؤاس إلى مصر الخصيب
9 -أبو نواس بسبب عراقته العربية لا شعوبيته ، هاجر إلى دمشق ومصر ، لا لبلاد فارس بعد نكبة البرامكة !!:
مما يغلّب ظني أنّ أبا نوس من جذور عربية يمانية ، وليس من عروق فارسية - من حيث الأب - ، وبالتالي ليس بشعوبي ، ولا يحمل أنفاس الشعوبية ، المقيتة في مضمونها ، والعادلة في تسميتها ، وإنما خرج عن المطالع الطللية ، والتهكم بأعراب بني أسد وتميم وقيس ، بسبب التمدن الحضاري ، وحياة التبغدد التي سادت في عصره ، وكان هو أحد رموزها خلاعة وتهتكاً ومجونا ، وغنجاً ودلاعاً ، أين الأعراب من هؤلاء الشباب !!، أقول الذي يغلّب ظني ، إضافة لعقليته المتفتحة ، وشاعريته الفذة ، وعمق فكره ، فالرجل من أب دمشقي ، ومن جند مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، وثبت الخطيب البغدادي ، وابن عساكر في (تاريخيهما) جذوره العربية في أحد أوجه رواياتيهما ، وكان أبو عبيدة يقول : " ذهبت اليمن بجيد الشعر في قديمه حديثه ب امرئ القيس في الأوائل, وأبي نواس في المحدثين " ، وكان يقال " شعراء اليمن ثلاثة ، امرؤ القيس ، وحسان بن ثابت ، وأبو نؤاس " (20) ، وله قصيدة يمدح فيها قبيلة قحطان اليمانية، وهي أصل العرب العاربة ، ويهجو قبيلة عدنان النزارية ، وهي منبع العرب المسعربة ، ويستثني قريشاً منها ، لأن النبي (ص) من أصلابها ، وهذه القصيدة حبسه الرشيد عليها كثيراً : اقرأ رجاء :
ليست بدارٍعفت وغيرهــــا** ضـربان من قطرها وحاصبــها
فافخر بقحطان غير مكتئب** فحــاتم الجـــــود مـن مناقبـــها
ولا ترى فارســــاً كفارسها*** ان زلـــت الهمام عـن مناكبتها
عمرو وقيــــس والاشـــران وزيــــد الخيـــل أسـد لدى ملاعبها
أحب قريشا لحب أحمــدها**** واعرف لها اجزل من مواهبها
ان قريشـــا اذا انتسبـــــت****كان لهـــا الشطــر من مناسبـها
ولمّا نُكب البرامكة ، لم يولِّ وجهه شطر بلاد فارس ، لأنّ ببساطة ليس له أي ارتباط ولائي أو عرقي أو فكري أو ثقافي أو لغوي معهم ، هل قرأتم له بيتاً باللغة الفارسية ، هل سمعتم أنّ الإيرانيين مجدّوا به قديماً وحديثاً كما مجدوا بالفردوسي والشيرازيين و ناصر خسروا وعمر الخيام شارب المدام !!، ومن المضحك والسخرية قي العهد البائد أبان التمايز العنصري ، أرادوا تهديم تمثاله في بغداد ، ورفع اسمه من شارعه الشهير بحجة التبعية الفارسية ، إنّها سخرية ، وقد تدخل العقلاء لرفع البلاء ، هذه الفقرة تحتاج منا التأمل والتفكير ، لكي نحترم تاريخنا ونجلّ عباقرتنا.
10- لماذا يُجرّالعراقيون بغباء إلى صراع التبعيتين الفارسية والعثمانية ، وهم أصل السيادة والخلافة ؟!!
لماذا يُجرُّ العراقيون - على وجه الخصوص - بعامتهم وأفذاذهم وعباقرتهم إلى مثل هذا الشرخ الاجتماعي ، الطائفي والقومي ، الاستعلائي الخطير ؟ أتفهم جيداً كل هذا البلاء المبرم الكبير توارثناها ظلماً وجوراً منذا بدايات العصر العباسي ، وبروز ظاهرة الشعوبية ، وتغلغل نفوذ الجواري حتى وصلن إلى عرش الخلافة كأزواج وأمهات أولاد ، وما هؤلاء الأولاد إلا الخلفاء أنفسهم ، والوزراء ، والقادة ، فسيطر الفرس ، ومن بعدهم الترك ، وأخذ هذا الصراع يستفحل ليتحول إلى حروب دموية خطيرة بين العثمانيين والصفويين ، وجرّوا العراقيين أصحاب السيادة والخلافة الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل ، ثم سحب أنفسهم ، وبقى العراقيون يجترون ويجترون هذا الموروث الدموي الغبي إلى يومنا هذا ، ومن سخرية الأقدار ، ومهازل التاريخ أن يطعن الرمز الأدبي الأول في تاريخنا ، وأعني المتنبي العظيم العربي القح ، بنسبه في مجلس أبي العشائر (338 هـ / 949 م ) ، وُيرمى إلى الفرس ، لكونه من كوفة العراق ، فينظم قصيدة من أروع الشعر العربي ، ويقول الدكتور طه حسين : عندي هذه الأبيات من أجمل ما قال المتنبي من الشعر :
أنا ابن من بعضه يفوق أبا الـ ** باحث والنجل بعض من نجله
وإنما يذكر الجــــــدود لهم ******* من نفروه وأنفدوا حيله
أنا الذي بين الإله به الأقـــــ ***** ـــدار والمرء حيثما جعله
جوهرةٌ تفرح الشراف بــــها ***** وغصةٌ لا تسيغها السفله
سيظهر الجهل بي وأعرفــــه ****** والدّرُّ درٌّ برغم من جهله
إن الكذاب الذي أكـــــاد به ******* أهون عندي من الذي نقله
وربما أشهد الطعام معي **** مــــن لا يساوي الخبز الذي أكله
تستطيع أن تتمتع بالقصيدة وشرحها في (معجز أحمد ) لأبي العلاء المعري (21) ، مهما يكن سأشارك عميد الأدب العربي ، الدكتور طه حسين في إبداء رأيه بهذه المشكلة العويصة التي أوقعنا بها القدر ، والسياسيون ، عديمو البصر والبصيرة ، والقادة الدينيون والاجتماعيون ممن يقع على ذمتهم هذا الشرخ الدامي ، يقول دكتورنا العميد في معرض دفاعه عن المتنبي الرمز الأدبي الأول : " وأكثر المعاصرين من الشعوب العربية في الشرق الأدنى ، لا يحفظون أنسابهم ، ولا يستطيعون أن يرقوا بها إلى عدنان أو قحطان ، أفنجحد تحدّرهم من العنصر العربي الصريح ؟ ! وما هذا العنصر العربي الصريح ؟ وكيف السبيل إلى تحقيقه واستخلاصه من العناصر المختلفة التي لا تحصى ، والتي اتصلت به وأثرت فيه على تتابع الأحداث ومر العصور ؟ ولكن ماذا؟ أراني استطرد وأسرف في الاستطراد ، وأكاذ أثير مسألة الأجناس التي يثيرها بعض الساسة المعاصرين ، ويندفعون معها إلى كثير من الحمق ، وإلى كثير من الظلم أيضاً ..." (22) ، لا يمكن لهذه الطامة الكبرى ، ومثلها الطائفية ، والمناطقية ، والأثنية ، والقبلية ، لا يمكن التغلب عليها إلا بتكاتف كل عقلاء الأمة ورموزها ومثقفيها وأدبائها وشعرائها وعلمائها لتكريس روح الوطنية المقدسة ، والإنسانية النبيلة ، والتضحية بالمنافع الأنانية الرخيصة المكتسبة من سياسة (فرّق تسد) ، نحن ننادي ، ولكن هل من سميع مجيب ؟ !! أنا في شكٍّ من ذلك !! ما دام الدرهم والدينار سيدي الموقف ، ولا من رمز وطني غيور تجتمع حوله الأمة . أو تفرزه ضرورة المرحلة وحتمية التاريخ ، ونحن بالأنتظار لدفع مسيرة الأزدهار ، ومن ثم الاعتماد على العقل الجمعي السليم القادر على التحكم بمسيرته .
11 - وصول الشاعر إلى مصر، سبب تولية الخصيب عليها، وقصيدة شاعرنا الرائية في حقّ خصيبه:
توجه شاعرنا إلى دمشق مفلساً ، فلم يبق لديه في بغداد برامكة ترعاه ، ولا رشيد يرضاه ، ومنها شدّ رحاله إلى فسطاط مصر ، وهي عاصمة المصر ، حيث واليهاعلى الخراج من قبل الرشيد أبو نصر الخصيب بن عبد الحميد الضحاك الجرجاني وذلك سنة (187 هـ / 803 م) ، وكان له به معرفة من قبل ، ومن الجدير ذكره أنّ مدينة أبي الخصيب قرب البصرة قد مصرها هذا الخصيب ، ومن ثم أصبحت عاصمة لقائد ثورة الزنج علي بن محمد ، وأطلق عليها (المختارة) ، بين عامي ( 255 ه - 270 هـ / 869 - 884 م) ، يذكر ابن خلكان في ( وفيات أعيانه) سبب تولية هذا الخصيب خادمه ولاية مصر قائلاً :" كان سبب توليته أن الرشيد قرأ يوما في المصحف فانتهى إلى قوله تعالى: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي، الآية فقال: لعنه الله ما كان أرقعه، ادعى الربوبية بملك مصر، والله لأولينها أخس خدمي، فولاها الخصيب وكان على وضوئه. ولأبي نواس فيه قصيدتاه الرائيتان ، وكان قد قصده بهما إلى مصر وهو أميرها، وما أحسن قوله في إحداهما :
تقول التي من بيتها خف مركبي**عزيز علينا أن نراك تسير
أما دون مصر للغنى متطلب *** بلى إن أسباب الغنى لكثير
فقلت لها واستعجلتها بوادر ** جرت فجرى من جريهن عبير
دعيني أكثر حاسديك برحلة ***** إلى بلد فيه الخصيب أمير
وهي طويلة وأجازه عليها جائزة سنية " (23)
والحقيقة أنّ أبا نواس طلب - من بعد - بالصريح لا التلميح ، العطايا والهبات من هذا الخصيب المخصب :
أنتَ الخصيبُ وهذه مصر ***** فتدفَّقــا فكلاهما بحر
لا تقعدا بي عن مدى أملي *****شيئا فما لكما به عذرُ
ويحقّ لي إذ صرت بينكما ***** ألا يحلّ بساحتي فقرُ
إني لآمل يا خصيب على *****يدك اليســارة آخر الدهر
وكذاك نعم السوق أنت لمن***كســدت عليه تجارة الشعرِ
فأغدق الخصيب على وافده الشاعر حتى أتخمه ، ولا تفوتك الصورة البلاغية في التشبيه البليغ الذي جمع بين الخصيب في كرمه، ومصر في ثروتها وبين البحر بكنوزه وتدفق موجه
لقد طار البيت الأول: (أنت الخصيب ... ) ، وحفظه القاصي والداني ، من مشرق دنيا العرب حتى مغربها
ومن بعد بحوالي قرن ونصف من الزمان تحديداً سنة (348 هـ / 959 م)، يفرّ المتنبي إلى مصر الكنانة ، وكان عليها كافورها الأخشيدي ، لا خصيبها الجرجاني ، وأيضاً جاهر المتنبي صراحة من العبد الأخشيدي -على حد توصيفه ،وأنا لا أقرّه على هذا التوصيف غير الإنساني- أن يرجع والياً :
وغير كثير أن يزورك راجل *** فيرجع ملكًا للعراقيين واليا
إذا كسب الناس المعالي بالندى**فإنك تعطي في نداك المعاليا
وغير كثير أن يزورك راجل **** فيرجع ملكا للعـراقين واليا
بل يزيد المتنبي إلحاحاً حتى استجداء الفضلة :
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله ***فإني أغنِّي منذ حين وتشربُ
وما كان هذا الكافور بغافل لتسليم ولاية لشاعر طموح حتى النخاع ، بل ادّعى النبوة - كما يقال - وسجن على دعواه ما بين ( 323 - 324 هـ) على يد لؤلؤ أمير حمص من قبل الأخشيد ، ولما خيّب آماله الكافور الأخشيدي ، أصبح متنبينا بعد خيبة أمله حاله حال :
أقمت بأرض مصر فلا ورائي*** تخب بي الركاب ولا أمامي
وملني الفراش وكــان جنبي ***** يمـــل لقاءه في كل عام
قليل عائدي ســــقم فؤادي **** كثير حاسدي صعب مرامي
بقى المتنبي يتحين الفرصة للهروب من مصر حتى وجدها سانحة ليلة عيد الأضحى (350 هـ / 961 م) ، وهرب بعد أن ترك للكافور ( عيدٌ بأيّة حال عدت ياعيدُ) ، و ( لا تشتري العبد ...) .
أبو نواس غير المتنبي ، عصره غير عصره وتطلعاته غير تطلعاته ، وشخصيته غير شخصيته ،وفلسفته في الحياة غير فلسفته ، والهاء تعودعلى التعاقب للشاعرين .
نعود لأبي نواس ، وكيف هلّ على الخصيب ، يروى العباسي في ( معاهد تنصيصه) بدايات إطلالة الشاعر على الخصيب قائلا : إن أبا نواس لما قدم على الخصيب صادف في مجلسه جماعة من الشعراء ينشدون مدائح لهم فيه، فلمَّا فرغوا قال الخصيب: ألا تنشدنا يا أبا علي، فقال: أنشدك أيُّها الأَمير قصيدة هي بمنزلة عصا موسى تَلْقَفُ ما يأفكون، فأنشد هذه القصيدة فاهتزَّ لها وأمر لها بجائزة سنية.
ويستطرد العباسي : ماج النَّاس في مصر بسبب السعر، فبلغ الخصيب وهو يشرب مع أبي نواس، فقال الأخير : دعني أسكِّنهم، فقال: ذلك إليك، فخرج أبو نواس حتَّى وافى المسجد الجامع فصعد على المنبر، واعتمد على عضادتيه، وحول وجهه للناس، وعليه ثياب مشهرات، فقال
منَحْتُكُمْ يا أهل مصر نَصيحَتي***** ألا فخُذُوا مــن ناصحٍ بنصيبِ
ولا تثبوا وثب السّفاه فتركَبوا**على ظهر عاري الظهر غير ركوبي
فإن يكُ باقي إفك فرعون فيكم **** فإنَّ عصا موسى بكفِّ خصيب
قال: فتفرَّق الناس ولم يجتمعوا بعده
وحدث مطيعٌ خادم البرامكة قال: كنت واقفاً على رأس الرشيد إذْ دخل أبو نواس، فقال: أنشدني قولك في الخصيب :
فإن يكُ باقي إفك فرعون فيكم *** فإنَّ عصا موسى بكف خصيب
فأنشده، فقال الرشيد: ألا قلت فباقي عصا موسى بكف خصيب، فقال أبو نواس: هذا أحسن والله، ولكنَّه لم يقع لي. (24)
وفي قصيدة أخرى ، يمدح فيها خصيبه ، يقول :
لم تدرِ جارتنا ولا تدري ***** أن الملامـــة إنما تغري
واستبعدت مصرا وما بعُدت *** أرض يحلّ بها أبو نصر ِ
ولقد وصلت بك الرجاء ولي**مندوحة لو شئتُ عن مصر ِ
وفي قصيدة مدح رابعة ، يطلع علينا بقوله :
ذكر الكرخ نازح الأوطان ِ****** فصبا صبـوة ولات أوان ِ
يا ابنتي أبشري بميرة مصر *** وتمني واسرفي في الأماني
أنا في ذمة الخصيب مقيم *** حيث لا تعتدي صروف الزمان ِ
كيف أخشى عليّ غول الليالي ***ومكاني من الخصيب مكاني
قد علقنا من الخصيب جبالا ******* آمنتنا ط،وارق الحدثان
يقول سهر العامري في معرض بحثه ( أبو نواس في مصر) : يظهر فيها أن الشاعر قد ظفر ببغيته، ووصل الى غايته التي تجشم من أجلها عناء سفر طويل، وذلك حين حصل من بيعه للخصيب على ثروة عظيمة، عد هو حملها حمل جبال، فزف البشرى لابنته في بغداد، وهو مازال في مصر بعدُ، ويبدو لي أن هذه القصيدة كانت آخر قصيدة مدح قالها في مصر للخصيب، ففيها يطلب هو الأذن منه بالعودة الى بغداد بعد أن هزه الشوق الى أوجه هناك (25)
ويروي لنا ابن الأثير في (مثله السائر) :أن أبا نواس لما دخل مصر مادحا للخصيب جلس يوما في رهط من الأدباء وتذكروا منازه بغداد فأنشد مرتجلا
ذكر الكرخ نازح الأوطان *** فصبا صبوة ولات أوان
ثم أتم ذلك قصيدا مدح به الخصيب فلما عاد إلى بغداد دخل عليه العباس ابن الأحنف وقال أنشدني شيئا من شعرك بمصر فأنشده (ذكر الكرخ نازح الأوطان ) ، فلما استتم الأبيات قال له لقد ظلمك من ناواك وتخلف عنك من جاراك وحرام على أحد يتفوه بقول الشعر بعدك (26)
، وإليك مقاطع من قصيدته الرائية الأولى بروعة مطلعها ، وحسن ختامها ، وما بينهما من حسن التخلص ، والتشبيه البليغ ، وقبل هذا وذاك عبقرية القصيد في بحرها الطويل :
أجارة َ بَيْتَيْنَا أبوكِ غَيورُ،**** وميْسُـــورُ ما يُرْجَى لديْكِ عسِيرُ
و إن كنتِ لا خِلماً ولا أنتِ زوْجة ٌ** فلا برحَتْ دوني عليكِ ستُورُ
وجاوَرْتُ قوْماً لا تزاوُرَ بينهمْ ****ولا وَصْلَ إلاّ أن يكونَ نُشُورُ
فما أنا بالمشْغُوفِ شَرْبَة َ لازِبٍ **** ولا كلّ ســــلطانٍ عليّ قَديرُ
وإنّي لِطَرْفِ العينِ بالعينِ زَاجِرٌ**** فقد كدْتُ لا يخْفى عليّ ضميرُ
تقولُ التي عن بيتها خفّ مرْكبي :**** عزيزٌ علينا أن نَرَاكَ تَسيرُ
أما دونَ مصْرٍ للغنَى مُتَطَلّبٌ؟ ******بلى إنّ أسْبـــاب الغِنَى لكثيرُ
فقلتُ لها: واستعجلَتْها بَوَادِرٌ **** جرتْ ، فجرى في جرْيهِنّ عبيرُ
ذريني أكَثّرْ حاسديكِ برِحْلَة ٍ***** إلى بلَــــــــدٍ فيـه الخصيبُ أميرُ
إذا لم تَزُرْ أرْضَ الخصِيبِ ركابُنا*** فأيّ فتى ً ، بعدَ الخصيبِ ،تزور
فتًى يشْتري حسْنَ الثناءِ بمالِهِ ****** ويعْلَمُ أنّ الدّائِرَاتِ تَـــــــدُورُ
فما جازَهُ جُودُ ، ولا حَلّ دونَه **** ولكنْ يصيــــرُ الجودُ حيثُ يصيرُ
جوادٌ إذا الأيْدي كفَفْنَ عن النّدى **** ومن دونِ عَوْراتِ النساءِ غَيُورُ
وإني جديرُ ، إذ بلغْتُكَ بالمُنى ****** وأنْتَ بمــــــــا أمّلْتُ منكَ جديرُ
فإنْ تُولِني منك الجَمِيلَ ، فأهْلُهُ ******* وإلاّ فإنّي عـــــــاذرٌ وشَكُورُ
مهما يكن،قد عارض قصيدة أبي نواس الرائية ، أحمد ابن دَرَّاج القَسْطَليُّ بقصيدة طنَّانة، منها :
ألم تعلمي أن الثوَاء هو الثَّوَى*** وأنَّ بُيُوت العـاجزين قُبُورُ
تخوفني طولَ السفار وإنَّه ***** لـتقبيل كفّ العامريّ سفيرُ
لئن ودعت منِّي غيوراً فإنَّني**على عزمتي من شجوها لغيورُ
لقد أيقنت أن المنى طوع همَّتي*** وأنِّي بعَطْفِ العامريّ جديرُ
بهذا نكون قد أحطنا بجو لة أبي نواس المصرية الخصيبية التي أخصبته تخلصاً من سطوة الرشيد ، وغضبه على البرامكة ، وماديا إذ جعلتع في بحبوحة من العيش الرغيد ، وشهرة حيث طارت شهرته من بلاد الأندلس حتى بلاد الهند والسند ، وآفاقاً متجددة لتفهم مجتمعات جديدة ، ولكل جديد لذة ، ووجدت جديد الموت غير لذيذ ، وإلى الله المآل ، والسلام ومع السلام الاحترام .