آخر منتجات الديمقراطية العراقية: مارس السلطة وارفع شعار "ما أنطيها" وبدد ثروات الشعب.. ثم ترفع عن الخراب الذي أغدقته على البلاد والعباد.
آخر نكتة جادت بها قريحة السيد رئيس مجلس الوزراء.. هي ان تكون مسؤولا ولا مسؤولا في الوقت نفسه.. هكذا ببساطة يتوهم البعض انه يمتلك القدرة على خداع الناس.. يقول نوري المالكي: الشهرستاني زودني بأرقام خاطئة عن الكهرباء.. وعقوده غبية "، فينوح المسؤول الأول عن الطاقة "أنا نادم.. لكن العقود ذكية".. ويردف احد المقربين "لقد ظلموه".. وقبل ان يصحو الجميع، نجد مقربيه ومعهم الأحباب والأصحاب يصرخون: "لن نعيدها.. فقط امنحونا فرصة ثالثة.. سنكون صالحين.. صدقونا".
يلزم المالكي الكثير حتى يصدق الناس أن وراء دموع التماسيح التي ذرفها مؤخراً، صحوة ضمير حقيقية.. وان هناك افعالاً اكثر من الخطب والشعارات، والجمل المزوقة بعبارات "كنت، أردت، حاولت".
شاهد العراقيون أول من امس المالكي يبدأ حديثه المتشنج عن الأعداء الذين يملأون مؤسسات الدولة، وعن الخونة الذين يستقوون بالأحزاب، وعن الساسة الذين يخونون الوطن، وشاهدناه يباشر باستدعاء روح محرر البلاد من قبضة "المليشيات" وباني اُسس الدولة المدنية والمدافع عن الثقافة والمثقفين، مراهناً على ضعف ذاكرة الناس التي ستنسى انه أول من سدد طعنات نافذه إلى جسد الثقافة والمثقفين حين تحدث عن فجور المثقفين وعن كتب الرذيلة التي يعج بها الشارع الثقافي.. وان المثقفين أساءوا لمستوى الحرية التي ينعمون بها ولم يراعوا الآداب العامة - حديث المالكي هذا كان في يوم 21/12/2010- لكن رهان المالكي في ظني لن يفلح هذه المرة لأنه شاهد حجم الغضب عند الناس وكانت نتائجه واضحة في انتخابات مجالس المحافظات.
السيد المالكي إذا كنت واثقاً من أن هناك مؤامرة تحاك ضد البلاد فاكشفها، وقل للناس أنك لست متشبثاً بالسلطة، وستجنبت البلاد الفوضى، ودع العراقيين يقررون مصيرهم... إذا كان الكرسي سيتسبب في قتل عراقي واحد فقط، فعليك انت وحدك لا غيرك، ان تلعن هذا الكرسي، لكي تثبت للناس انك حقا تخاف الله، وانك مؤمن بفكرة الحاكم مسؤول، مسؤولية جنائية عن كل قطرة دم تسال ظلما وجورا، هل أنت مستعد ان تتعامل مع العراقيين باعتبارهم، شعبا له الحق في تغيير حكامه، ام انهم مجموعة "فقاعات" إذا وقفوا في طريق تشبثك بالسلطة تضربهم بكل ما أُوتيت من قوة؟
لذلك يا عزيزي رئيس مجلس الوزراء "المظلوم" والمحاصر بأمزجة الساسة، كما أخبرتنا.. حاول أن تدرك التغيرات التي تمر بها البلدان، ولتكن حالة الإخوان في مصر ماثلة أمام عينيك، فأمامك طريقان: إما الاشتباك مع الجميع والإصرار على حالة العناد، والاستمرار في حالة "الغطرسة"، أو أن تتخذ قرارا بالتنحي جانبا، والتواضع أمام مطالب الناس، لأنه لا يعقل أن تكون قد دافعت عن الديمقراطية التي أوصلتك إلى كرسي السلطة، وتأتي الآن لتعترض على روح هذه الديمقراطية التي تشعر اليوم انها خذلتك.
وأرجو أن تتذكر وأنت تتحدث عن إخفاق الآخرين وفشلهم،أن من وضع البلاد في هذا المأزق الحرج، هو السادة اعضاء ائتلاف دولة القانون، لاغيره، فهم بغطرستهم اجهضوا كل دعوة للتصالح والتوافق، وهم وحدهم من يراهن الآن على تفجير الموقف واستغلال حالة التردي الأمني، وعليك ان تدرك انهم لا يفعلون ذلك لوجه الوطن ودفاعا عن مصالح الناس، وإنما لكي يركبوا على رقاب الشعب ويتجبروا.
اليوم المالكي يريد منا ان نصدّق ان هناك مؤامرة فعلا، وقد اخبرنا في حديثه انه سيتخذ إجراءات انتقامية على كل المستويات، واختار أعداءه، وفصَّل لنا خطط حربه القادمة، متحصنا بعلاقات متميزة مع المستر أوباما.. وهذا ما جعلة يحضِّر الأشباح " البطاط، الشهرستاني و الصغير" ويستعرض قوته عليهم..بينما معركة بناء البلد الحقيقية في مكان آخر.. المالكي قدم نفسه بوصفه الحاكم الشامل "كامل المواصفات"، يناقش الكهرباء، ويتحدث في الحصة التموينية، والأمن وأسعار الأراضي، ويعرف ما يدور في العالم الخلفي لأسواق "مريدي" ويحفظ أسماء المليشيات التي تريد تخريب بغداد، وهو مفاوض من طراز خاص في شراء الأسلحة الروسية.
رئيس وزراء يعرف كل شيء، هذه رسالة المالكي التي أراد ان يبلغها إلى جمهور اصبح يشكك في قدرات صاحب السلطة، ويراه عاجزاً عن مواجهة عصابات القاعدة، ولهذا لابد ان يؤكد مع كل فقرة " أنا رئيس الوزراء " صدقوني، فأنا القائد العام للقوات المسلحة، والمسؤول عن الداخلية، ورئيس لجنة المياه، أنا رئيس لجنة الاقتصاد، والراعي للثقافة.
المالكي أثبت وهو يعلن عن آخر حروبه، ان لا استعداد لديه للتوافق باتجاه المستقبل، تحركه شهوة للسلطة، ويمكنه أن يدمر من أجلها كل شيء.