يكاد أن يٌشبه لي حكم الأنظمة العربية الدكتاتورية في الأعوام المنصرمة بتلك القوة الطاردة المركزية, التي تظهر خلال حركة تسبب ميلان الأجسام للبقاء في حالة التوازن, نواجهها في حياتنا اليومية حين ركوب السيارة مثلاً حالة الإنحناء نشعر القوة تدفعنا للخارج وتتحرك أغراضنا جانباً, تسمى القوة الخيالية, لكن أينشتاين في نظريته النسبية يراها تعطي مراقب الإطار غير المستقر إعتباره حالة سكون, أيّ الجسم الساكن يبقى في سكونه حتى تجعله قوة خارجية يتحرك ويستمر التحرك بنفس القوة وألإتجاه, أما نيوتن يقول الجسم يبقى في سكونه او حركته الاّ أن تؤثر عليه قوة خارجية تجبره على تغيير مساره, بينما الجاذبية قوة تؤثر على الجسم لتغيير مساره لكونه اختلاف الأقطاب للتكامل أوالمسألة الطبيعية للوجود. القوة المركزية مثلما تسير الأشياء بقوتها تسحق من يخرج عن المدار المرسوم, تسير الشعوب مع قوتها وما تشتهيه, تطرد مخالفها خارج مدارها, تجعلها ساكنة ساكتة عن حقوقها منساقة لإرادة مركزية.
إنهيارها وفقدان سيطرتها على الحكم أدى الى تناثر المجتمعات حسب قواعدها الفكرية وأوزانها, طفحت الأمراض الإجتماعية والسياسية الكامدة تحت جبروتها, فجرت بركاين الأفكار المستعرة تحت رماد الإستبداد والتفرد. المجرم والمتطرف كشف عن قِناعهٌ وتصاغرت الشعارات بين النظريات والتطبيق, تحركت الكراهية والقومية والطائفية والمناطقية, الإرهاب أصبح القوة الجديدة الضاغطة بأفعالها البشعة, متجاوزة حقوق الإنسان في فسحة الحرية والإنفلات وحمى صرعات السلطة.
الربيع العربي لم يعد ربيع او حتى خريف, عاصفة تغييرات جوهرية بقوة ضربت المنطقة, لا يعرف بالتحديد متى تنتهي وأين جذورها وما شكل الشرق الأوسط القادم, دمر مصالح الشعوب وجغرافيتها وتاريخها, صراعات أيقضت مئات السنين النائمة والحروب الباردة دولية وأقليمية, اعاد التاريخ نفسه بطريقة مأساوية, حين تتسابق الشعوب الأخرى وستثمر كل مناسبة للشراكة الستراتيجية الأقليمية في السياسية والأمن والأقتصاد والثقاقة, بينما قادتها يتنافسون على الزعامات تحت مسميات الديموقراطية او دكتاتورية الخلافة الإسلامية, ثورات شوهت طموحات الشعوب, حطمت سجون المجرمين بعشوائية, كلاب ووحوش إطلقت من اقفاصها تحصد الجمامجم قصصها الخيانات والنكبات, تحمل حطام العرب ومحتويات قاذورات عقولهم الساذجة, تفتح أبواب الفساد والإنحطاط والجريمة والإنحراف, غيّرت تاريخ أمة كاملة وتطأ بأقدامها الحضارة حتى نبشت القبور خوفاً, يطربها عويل الثكالى وصرخات فض البكارة وتناثر أشلاء الأطفال, تستذكر الماجانات الراقصات أمام الرؤوس اليانعة في حضرات السلاطين, تدفع بقوة الى إسقاط صورة الرسالة السماوية المحمدية والأديان التي سبقتها, أبدلت نحر الأضاحي بالبشر, تسقط مفاهيم إمتداد الدين وبيوت الرسالة في عقل الأمة, تكفر الأديان والرسل الى أن تتنازل عن بيت المقدس, ثورات حرب شعواء بعون من الشيطان, دكتاتورية فكرية زرعت الإنحراف والتطرف وحياة العبودية والقوة والسطوة والجريمة, بعد بناء السلطة على حساب الدولة والقيم, طاردة مركزية تديرها المنابر الغاوية, تاركة أمة مائلة عن تقدير مصالحها التاريخية والدينية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
المجتمعات بحاجة الى مرحلة من الإستقرارتلتقط أنفاسها, تتعلم الديموقراطية والتنميةكونها مصدر السلطة, تمارسها ثقافة قبل أن تكون تغيير في شكل الحكم, تجمع شتاتها المتطاير حسب الأوزان بعد هزيمة القوة الطاردة المركزية ( الدكتاتورية), تعيد الشعوب الى طبيعتها والتأثيرعليها بجاذبية تتناغم فيها أفعال القوى الجديدة مع الطموحات العامة.
مقالات اخرى للكاتب