لا ريب ولا شك في أن المجتمعات التي ترزح تحت نير الظلم والجبروت والطغيات حقب من الزمان تنسلخ منها كثير من القيم والمبادىء والمعتقدات وتبقى الأعراف المجتمعية والعادات والتقاليد آخر المطاف كونها متجذرة في سلوك وطبائع تلك المجتمعات .. ومثال ذلك المجتمع الياباني الذي طاله الحكم الاستبدادي لسنوات وصل به المطاف الى الحرب العالمية الثانية التي أوقعته بالضربة القاضية كما يقال وأنهته بالمرة ، مع مارافقها من إخلال بالبنية الاقتصادية والفساد المستشري . لكن تمسك المجتمع الياباني بتقاليده المسماة بالساموراي جعلته ينهض من جديد كونها تقاليد تتمركز على أسس المحافظة على الأمانة والنزاهة والإخلاص وحب الوطن الأم فأعاد عقارب الساعة لتنمية بلاده بالصورة التي نراها اليوم .
التقاليد والأعراف المجتمعية في الوسط العربي بالعموم والعراقي بالخصوص لها ذات المقومات بل تزيدها قوةً وتمسكاً كونها مبناة على تركيبة عشائرية في معظم الأحيان وهذه تكسبها صلابة ومتانة مضافة لها صفات قد لاتوجد في مجتمعات عانت نفس الظروف وكمثال على ذلك النخوة والكرم والاستجارة وو ..
ولكن !!!
عندما يصل الأمر الى الانسلاخ من هذه القيم والتقاليد والاعراف يصبح الأمر في غاية الأهمية والخطورة المترتبة عليه ، كالمرض المستشري في الجسد مهما كانت مراحله متقدمة يمكن بأي حال من الاحوال السيطرة عليه ولكن عندما يصل الى العظم نخراً وتشويهاً وإنتشاراً عندها تصبح الامور معقدة جداً جداً . من الواضح جلياً أن الفساد مستشري هنا في جميع مفاصل الدولة والحياة بعمومها ، كما وأن المفسدين داخل الوطن وممن في يدهم زمام الامور أصبحوا واضحين كوضوح الشمس في رابعة النهار ، وسرقة المال العام والهيمنة على مقدرات الشعب أصبحت من أولويات العمل الميداني لعدم وجود الرقيب والحسيب والضمير .. كل هذا لاغرابة فيه على ضوء المتغيرات التي أشرنا لها في حال الشعوب .
ولكن !!!!
العجيب والغريب السكوت المطبق من الغالبية وهم ينظرون بأم أعينهم للمفسدين وللكم الهائل من الفساد ولايحركون ساكناً أبداً وكأن الأمر لايعنيهم البته ، إذ غابت عنهم وإنسلخت منهم تقاليد النخوة والأمانة والنزاهة والإخلاص وحب الوطن الأم ، فهؤلاء الأغلبية هم عين الفساد ولايعرفون أنهم بسكوتهم يشاركون المفسدين بفسادهم بل ويشجعونهم على الفساد وسيقفون معهم في قفص الإتهام يوم تزل فيه الأقدام ......