صدر في الموصل مؤخراً كتاب جديد للروائي والصحفي نوزت شمدين حمل عنوان" قادمون يا عتيق". ضم مقالات وقصص نشرت له في صحيفة المدى وموقع نقاش الالماني خلال العام 2014.

عنوان مستفز، يشبه شعاراً كان متظاهروا ساحات الاعتصام في المدن السنية يطلقونه" قادمون يا بغداد" في إشارة الى الرغبة بإسقاط النظام القائم. وكان ذلك بطبيعة الحال قبل ان يصل داعش ويختفي المتظاهرون تماماً.

عنوان الكتاب هو عنوان واحد من المقالات في متن الكتاب، وهو واحد من المقالات التنبؤية إن صح التعبير. فهو منشور في مطلع شهر نيسان من العام 2014. اي قبل احتلال داعش للموصل في 9حزيران 2014. ويتحدث المقال عن وصول معلومات تفيد بمحاولة لتفجير جسر الموصل القديم او ما يعرف هناك بالجسر العتيق وذلك في يوم التاسع من حزيران، وهنا المفارقة في الأمر. لانه نفس يوم احتلال الموصل من قبل داعش !. فيجتمع اهالي المدينة عند مدخلي الجسر، وتبدأ ثورة شعبية ضد قوات الجيش والشرطة الموالية للمالكي، فيتم تدمير جدران وتحصينات تلك القوات، ويسيطر المتظاهرون على الجسر العتيق ويسود الفرح أرجاء المدينة، ولكن يبدو ان نبوءة نوزت شمدين لم يخطر في بالها ابداً أن داعش هي التي ستطرد تلك القوات وستحتل المدينة وتطرد مئات الالاف من المواطنين الابرياء وتقتل الالاف وتسرق اموالهم.

"شهادة عن الموصل للتاريخ" واحدة من اهم المقالات التي يتضمنها هذا الكتاب الذي صدر عن مكتبة ودار الجيل العربي في الموصل بنحو جريء جدا، ولاسيما انه يحمل في طياته نفساً مقاوماً لداعش، بل هو اول كتاب يصدر ضد احتلال هذا التنظيم الارهابي للموصل. ومن هنا يكتسب أهميته. ويسرد فيه شمدين تفاصيل عن سيطرة الدولة الإسلامية على المدينة قبل سنوات من التاسع من حزيران، إذ كان التجار والاطباء والصيادلة واساتذة الجامعات وسواهم يدفعون إتاوات للتنظيم شهرياً. والدوائر الحكومية ايضاً كانت تفعل ذلك في وقت كانت فيه عشرات الالاف من قوات الجيش والشرطتين الاتحادية والمحلية تسيطر على كل شبر في المدينة بما يعرف بسياسة مسك الارض. من خلال نقاط تفتيش ثابتة توزعت منذ العاشر من ايار عام 2008 بتشكيل قيادة عمليات نينوى وعلى الرغم من ذلك كان الخطف والاغتيالات والتفجيرات تجري بشكل يومي.

شمدين واحد من الكتاب القلائل القادرين على جعلك تصغي اليه باهتمام من اول كلمة وحتى أخر كلمة، ويسحرك بصوره المتلاحقة والمدهشة، كما في قصصه فوفوزيلا مجلس المحافظة التي يسخر بها من اعضاء مجلس محافظة نينوى، ويسافر من أجلهم الى جنوب افريقيا ويعود ليفعل نفس الأمر ولكن في الهند من قصة" الهند بدلا من نينوى" ويدخل الامم المتحدة برئيسها بان كي مون في قصة مدهشة" بان كي مون وشعيط ومعيط". اجتماع يختلقه جرت وقائعه في مبنى الجمعية العام للأمم المتحدة بشأن الموصل.

وفي مقال " بيان رقم واحد" يعود نوزت شمدين ليتخيل مشهد ثورة تجري في منطقة الدواسة يقودها مجموعة من سفلة المدينة وإمعاتها. كما يصور بنحو كاريكاتيري سياسيين يترشحون للأنتخابات في مقالات" كل هذا ن اجل الوطن"و" هل انصفت صناديق الأقتراع يونس صمونة"، "حملة شهاب المجنون"، " أني وين جميلة وين".

ويظهر انتقاده واضحاً لأداء محافظ نينوى قبل وصول داعش من خلال مقال" لم يعد العمدة يستمع الى بعيد او قريب"، وأدخل الرئيس الأمريكي باراك اوباما بجراة كبيرة في مقال غاية في الروعة " وأخيراً ركبنا أوباما ". وينتقد ظاهرة اجتماعية عديدة " مقلب الحلوى"، " ما لاتعرفه عن سيرة عبود"، وغيرها من المقالات.

118 صفحة من القطع المتوسط، لكن فيها مادة قراءة غنية، بل هي عبارة عن مجموعة وثائق تاريخية لمجريات عاصرها الكاتب، وأراد ان ينقل صورها ووقائعها الاصلية دون تزوير الى العالم. وقد نجح في ذلك الى حد بعيد من خلال مقدرة سردية وأسلوب تفرد به وجعله يقف في مقدمة الكتاب العراقيين في الوقت الراهن.