يجري الحديث في العراق منذ مدة عن العجز المتوقع في موازنة سنة 2015 بسبب انخفاض أسعار النفط والنفقات العسكرية والنازحين وغير ذلك، مما يعني إن العراق مقبل-بل هو يعيش فعلاً- ازمة مالية خانقة، فما هو الحل للخروج من هذه الأزمة؟
نحن بحاجة لنوعين من الحلول:
الأولى: حلول بطيئة الإنتاج لكنها تبني اقتصاد حقيقي، وقد تكلمنا عن البعض منها في كتابات سابقة وربما نكتب عنها مجدداً في وقت لاحقة وهي باختصار خلق اقتصاد متعدد الموارد وبناء شراكة حقيقية مع القطاع الخاص، وتوفير فرص حقيقية للاستثمار، وخلق تنمية صناعية وزراعية على أسس صحيحة.
الثانية: حلول سريعة الإنتاج وهي المطلوبة حالياً خصوصاً وإن أمد الحرب على داعش قد يطول وإن انتهى فإن ملف إعادة بناء المدن المدمرة غول سيلتهم أكبر موازنة.
فما هو الحل السريع؟
تم تداول حلول مختلفة، فهناك من طلب تخفيض رواتب الدرجات الخاصة أو إلغائها، وهناك من طلب تقليص النفقات الحكومية بصورة عامة، وهناك من طلب تقليص رواتب الموظفين-وهو حل ينبغي استبعاده لأنه سيخلق مشاكل اكثر-، وهناك من طلب فرض ضرائب جديدة، وهناك من غير ذلك.
العجز المعلن في موازنة 2015 كان بحدود 50 ترليون دينار ثم تم تخفيضه إلى 48 ثم إلى 23 ترليون دينار، من خلال فرض الضرائب على السلع الكمالية ومن بينها أجهزة الهاتف النقال وضغط نفقات الدولة الاستهلاكية والمشتريات في الوزارات وكذلك تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث الى النصف، ويجري حالياً مناقشة إمكانية تخفيضه إلى 15 ترليون دينار عراقي من خلال زيادة الضرائب على شركات الطاقة ، وشركات الهاتف النقال ، وعدد من الشركات الأخرى.
الحل برأيي مع أخذ انخفاض سعر النفط المستمر واحتمال نزوله دون الـ(50 دولار) كأمر ممكن بنظر الاعتبار يجب أن يتضمن عدة خطوات:
1-أغلب من تحدث عن فرض ضرائب جديدة ليس لديه إطلاع على مشكلة التهرب الضريبي التي تعد مشكلة كبيرة فمثلاً وصلت إيرادات الضرائب (الهيئة العامة للضرائب) سنة 2013 إلى (1300 مليار دينار عراقي) وهذا ليس بمبلغ كبير خصوصاً إذا علمنا التالي:
أ-نسبة المتهربين من سداد ضريبة الدخل وحدها في سنة 2005 مثلاً بلغ (90%)! (وفقاً لتقرير منشور في موقع الهيئة بعنوان " العلاقة بين الوعي الضريبي والتهرب الضريبي وتأثيرها على التنمية").
ب-اقتصار العمل في موضوع ضريبة الشركات على الشركات التي تراجع الضريبة لا على المتابعة من وزارة التجارة المعنية بتسجيل الشركات (وفقاً لتقرير ديوان الرقابة المالية لسنة 2009) ولكم أن تتخيلوا حجم التهرب الضريبي بالنسبة للشركات ومدى تضخم عملها!
ج-وجود ضعف واضح في الاستحصال الضريبي من الشركات الأجنبية وشركات الهاتف النقال!
علما ً إن العراق يعد من أدنى الدول العربية(المرتبة السادسة) في فرض الضرائب على الشركات!
د-الكثير من موارد الضرائب غير مفعلة وأقيام الضرائب لازالت منخفضة.
مما يعني إن بالإمكان زيادة الواردات الضريبية من الهيئة العامة للضرائب وحدها إلى أكثر من أربعة أضعاف أي استحصال أكثر من "أربعة ترليون دينار عراقي" إضافية للموازنة العراقية بمجرد الجدية في المتابعة.
2-زيارة الواردات الكمركية:
هل يعقل إن بلد تعداد سكانه اكثر من 36 مليون وعدد الوافدين إليه عبر المنافذ الحدودية (بحسب موقع الكمارك) في سنة 2012 على سبيل المثال، بلغ 2 مليون و349 ألف شخص والمغادرين منه مليونين و367 ألف شخص، تكون وارداته الكمركية (307 مليار دينار عراقي) فقط!
من النقطتين أعلاه وإضافة إلى عقارات الدولة وأجورها وأجور الخدمات البلدية والماء والكهرباء والغرامات المرورية وغيرها من الموارد التي فيها إهمال كبير في الاستحصال وهي في أحسن الأحوال لا تتجاوز نسبة استحصالها الحقيقية الثلث!!
فإذا عرفنا إنه في سنة 2013 بلغ إجمالي الضرائب والإستحصالات المالية الأخرى(النقطتين أعلاه) بحدود 4,6 ترليون دينار عراقي (بحسب موقع جريدة الحياة)، مما يعني إمكانية-بحسب ما قلنا سابقاً من إنه يمثل الثلث أو أقل- الزيادة إلى 13,8 ترليون دينار عراقي، أي زيادة (9,2 ترليون دينار عراقي)!
أي يقضي على 40% من نسبة العجز المعلنة حالياً وهي (23 ترليون دينار عراقي).
3-زيادة الصادرات النفطية والاستفادة من أتفاق أربيل وتصدير نفط كركوك (مع التحفظ الموجود حول هذا الاتفاق).
4-تقليص النفقات غير الضرورية وتقليص رواتب الدرجات الخاصة والمنافع الاجتماعية وغيرها.
5-إيقاف بعض المشاريع التي من الممكن إيقافها دون تأثير على إنجازها لاحقاً لتقليل الالتزامات.
6-يمكن اللجوء عند الضرورة القصوى إلى احتياطي البنك المركزي العراقي والبالغ 76 مليار دولار وصندوق تنمية العراق (DFI) والبالغ 24 مليار دولار.
بهذه الإجراءات يمكن تجاوز العجز في موازنة 2015 ومن ثم البحث عن حلول دائمية لمنع تكرار ذلك.
مقالات اخرى للكاتب