كنت قد تحدثت في مقالاتي السابقه عن الفساد الاداري والمالي في الدوله والمجتمع وركزت اساسا على فساد القمه او فساد الطبقه السياسيه الحاكمه واحزابها ومسؤليها (فاذا فسد الحاكم فسدت الرعيه) لانها راس الهرم في السلطه والمهيمنه على كل جوانب ومقدرات الدوله والسلطه وهي منبع الفساد ومرتعه ومركز تصديره وانتشاره والتغطيه عليه وعلى منفذيه وان تبعية كل الفاسدين والمسؤلين الادارين في دوائر الدوله وفي الجهاز الحكومي للسلطه تلقى على عاتق هذه الطبقه المتنفذه لذا سيكون محور هذا المقال يتركز على الموظف الاداري في الدوله لانه الاداة التنفيذيه التي يتخذها السياسي او المسؤل للعبث باموال الدوله وثروة ابنائها .
فالوظيفة تاتي من كلمة وظف وجمعها وظائف ,وهي كلمة تدل على تقدير شيء يقال وظفت له او قدرا له كل حين شيئا من رزق وطعام ,ووظفت عليه العمل توظيفا اي قدرته .
والتوظيف تعين الوظيفة ويقال وظف عليه العمل وهو موظف عليه . وكل صور وانواع الفساد المتعارف عليها تنتج من تصرفات منحرفة للموظفين العموميين إفرادا وجماعات فالموظفون هم عمال السلطة الإدارية وان كل الشواخص المعنوية أو القانونية الاعتبارية بطبيعتها كالدولة والشواخص الإدارية ألعامه الأخرى لا يمكن إن تؤدي رسالتها وتحقق أهدافها إلا عن طريق الشخوص المعبره عن ارادتها وهم الموظفون العموميون . وعلى هذا يمكنا ان نبني اساسا على ان الموظف العام يلعب دورا محوريا في بذرة الفساد وتفشيه في قطاع الجهاز الحكومي وهذا ناتج عن الاسباب الاتيه:
ا- انفراد الجهاز الحكومي بخدمات لا يقدمها سواه للمجتمع.
ب-تنامي الخبرة للعاملين في القطاع الحكومي فيما يتصل بالخدمات التي يؤدوها للموطنين.
ج-ضمان الاستمرارية الوظيفية في الجهاز الحكومي.
فألدوله الحديثة وجدت نفسها إمام مهام ومسؤوليات واسعة تحتم عليها الاضطلاع بإعمال وخدمات أساسيه في كافة المجالات ,وقد ترتب على هذه الزيادة حاجة ألدوله إلى المشروعات ألعامه ,ونتيجة لذلك ازداد عدد الموظفين بما يتناسب مع ازدياد عدد المسؤوليات والخدمات التي تتولاها ألدوله, فالدولة والإدارة لا تستطيع إن تعمل وتستمر إلا بواسطة موظفيها (والإدارة في جميع الدول لا تساوي إلا ما يساويه موظفوها) الذين يمثلوها ويتصرفون باسمها. وقد ظهر مفهومان للوظيفة العامة يمتاز كل منهما في عكس الثقافة العامة للدوله التي تتبناه .المفهوم الاوربي والمفهوم الامريكي للوظيفة العامة ,واساس هذين المفهومين يرجع الى اختلاف نظرة الأمريكيين للدولة والإدارة عن نظرة الأوربيين اختلافا كاملا, ذلك لان الأمريكيين لا ينظرون الى الدولة نظرة اجلال وتعظيم كالتي يسير عليها الأوربيين ,وانما يسيطر على فكرهم بدل ذلك شعور الخشية والحذر والترقب من العدوان على حريتهم الفردية. تبنى الوظيفة في المفهوم الاوربي على اساس ان الاعمال المتعلقة بالوظيفة العامة مختلفة في طبيعتها وخصائصها عن الاعمال الخاصة وتخضع لنظام قانوني خاص يختلف عن القانون الذي يحكم العمل في المشروعات الخاصة ,ويتفق مع الهدف والمقصود من الوظيفه,وتكسب الوظيفة العامة في المفهوم الاوربي عملا مستقلا يؤديه الشخص على سبيل الدوام والاستمرارية يغطيها القانون الذي يحكم الإدارة في تكوينها ونشاطها وهو القانون الاداري. فهي مهنته من حيث التحاقه بها الى حين انهاء وظيفته بإحدى الطرق المشروعة قانونا.ومن تعريفات الوظيفة العامة وفقا لهذا المفهوم : انها مجموعة الاختصاصات القانونية والأنشطة التي يجب ان يمارسها صاحبها بطريقه مستمرة وبصفة مهنيه في عمل في عمل الإدارة تحقيقا للصالح العام. اما الوظيفه في المفهوم الامريكي فتاخذ الاحتراف ومن ثم فان الموظفين يكادون يخضعون للنظام القانوني نفسه الذي يخضع له كافة العاملين.
سواء كانت وظائفهم عامه ام خاصه ,اذ لا فرق وفق هذا المفهوم بين الوظيفة العامة والخاصه,فجوهر الوظيفة واحد. فالوظيفة وفق هذا المفهوم ليست مهنه وانما عمل متخصص يقوم به الموظف وتنتهي بانتهاء العمل الذي عين من اجله ,وهي ايضا ليست رساله لها صفة الاستمرار والدوام وانما هي مهنة عارضه مثل سائر المهن
ومن تعريفات الوظيفة العامة وفق هذا المفهوم (انها مجموعة واجبات ومسؤوليات تحددها سلطه شرعيه ,وعلى من يشغلها يكرس ووقته كله او بعضه حسب الظروف للقيام بتلك الواجبات ليحصل على ما يقابلها من حقوق) والحقيقة ان اختيار احد هذين المفهومين او النظامين ليس بالأمر اليسير ذلك انن النظام يجب ان ينبع من البيئة المحلية الذي سيطبق فيها ,فالمسالة ليست اختيار نظام بقدر ما هيه دراسة البيئة المحلية والمجتمع في الدولة . لذا تحاول كثير من نظم الخدمة في العالم الثالث اليوم ان تمزج بين النظامين للاستفادة من حسنات النظامين.وبما ان الوظيفة العامة في النظام الاوربي ذات دوام واستمراريه من حين التحاق الموظف بوظيفته الى حين انتهائه منها بإحدى الطرق المشروعة قانونا ,ويعد الموظفون في الوظيفة العامة عمالا للدولة ينفذون رغباتها واهوائها ويؤلفون جزء لا يتجزأ من بنيانها الاداري .والعراق من ببين الدول التي تأخذ بهذا المفهوم في تطبيق تشريعاته الاداريه,فالوظيفه تكليف للموظف القائم بها قبل ان تكون امتياز وحقا له. ومن واجباته التي يقوم بها بموجب القانون :ا-أداء العمل بشكل تام ويتحقق ذلك بتفرغه للعمل وتأديته بمواعيده الرسمية ,والتخلي عن كل ما يخل بشرف الوظيفة وكرامتها .ب-طاعة الرؤساء.
ج-حسن الخلق المهني والولاء الوظيفي ,ويتأتى ذلك بآداب اللياقة في التعامل مع زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه.
د-حسن السلوك العام كاستغلال نفوذ وظيفته و اساءة استعمال السلطة الوظيفية او الجمع بين الوظيفة والعمل الخاص ,الى جانب عدم افشاء أسرار وظيفته التي يطلع عليها بحكم عمله.
وتقسم هذه الواجبات الى واجبات ايجابية وواجبات سلبية.
1- الواجبات الإيجابية:وبقصد بها تلك التي تفرض على الموظف القيام بعمل معين وهي:ا- واجب اداء العمل الوظيفي .ب-تخصيص اوقات العمل الرسمية لأداء واجباته الوظيفية .ج- واجب الحفاظ على الأموال العامة وصيانتها ,وذلك بالحفاظ على مصالح الدولة والإدارة التي يعمل فيها وعدم مخالفة القوانين والأنظمة المرعية بالإهمال والتقصيرر,التي يترتب عليها ضياع اي حق من حقوق الدولة او الإدارة التي يعمل فيها. د-واجب المحافظة على كرامة الوظيفة.ه- واجب التفرغ للوظيفة والامتناع عن الجمع بأكثر من وظيفة واحده.و- الالمام بالقوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بعمله والإحاطة بها من اجل رفع مستوى الاداء وتحسين طرق العمل في دائرته . الواجبات السلبية:
والتي تستلزم على الموظف عدم الاتيان بها لأنها من المحظورات.
ا-عدم نقد او لوم الحكومة والنيل من سمعة الدولة.
ب- عدم افشاء الاسرار والوظيفي
ج-عدم استغلال نفوذ الوظيفة.
3- استغلال السلطة والنفوذ بالأعمال المادية.
ومن صور وانواع الفساد المتفشية الاتي: ا- الرشوة :
تعرف الرشوة في الاصطلاح الاداري على انها قيام الموظف بأخذ او قبول طلب مقابل معي له قيمه ماديه او معنويه للقيام بعمل من اختصاصه بحكم وظيفته او الامتناع عن عمل من اختصاصه او الاخلال على اي نحو بمقتضيات وواجبات الوظيفة. وتعد الرشوة من اخطر الجرائم ومن اسوء انماط الفساد الاداري التي يجب محاربتها والقضاء عليها لما تشكله من اخطار وتهديدات على المجتمعات فالرشوة سلوك مستهجن من كل الثقافات في العالم , ذلك ان الموظف المرتشي يعد خائنا لواجباته الوظيفية لكونه سلك سلوكا غير مشروع لتحقيق مآربه ورغباته الخاصة.
ب-التزوير والتزييف :والتزوير ومصدره زور ,وهو في اللغة تزين الكذب, والزور الكذب والباطل وقيل شهادة الباطل وقول الكذب. اما التزييف مأخوذ من الزيف والزيف من وصف الدراهم يقول زافت عليه دراهمه اي صارت مردوده لغشه فيها. والدرهم الزائف وهو الرديء.
والتزوير بالاصطلاح اي تحسين الشيئي ووصفه بخلاف صفته ,فهو تمويه وباطل بما يوهم انه حق . الاختلاس :
في اللغة من خلس الشيء خلسا اذ استلبه منزه ومخاتله.
والاختلاس هو تحويل الشيئي عن وجهته واضافته الى ملك حائزه فهو يتحقق بكل فعل يضيف به الجاني الشيء المسلم اليه الى ملكه بتغير حيازته من حيازة ناقصه الى حيازة ثبتيه التملك .
ويعرف الاختلاس (انتهاز الفرصة في غفلة الناس للظفر بما يريد مما هو ممنوع عنه ومحجوب منه ويعاقب على اخذه. وللاختلاس ثلاث اركان ,الجاني ويكون موظف حكومي ,والفعل المادي وهو صورة الفعل محل الفعل تسليم المال بسبب الوظيفة ,الركن المعقول ويتمثل في توافر القصد الجنائي.
د-الاضرار بالأموال والمصالح العامة:
1 في المال العا- الاستيلاء على المال العام : والمال الذي يقع عليه الاستيلاء هو كل ما يمكن حيازته او الانتفاع به أيا كانت قيمته وسواء كانت هذه القيمة ماديه او معنويه وسواء استولى عليها الموظف بنفسه او سهل لغيره الاستيلاء عليها ,فالموظف العام يعد فاعلا للجريمة في كلتا الحالتين لان التسهيل صوره من صور الاشتراك بالجريمة.
2-تبديد المال العام:
وهو صور الاعتداء على المال العام وهو من خيانة الأمانة لان المال العام يعود للامه فلا يجوز الاعتداء عليه.
3-التفريط م:
وهو التهاون فيه وفي متطلباته بما يؤدي الى اضاعته وعدم المحافظة عليه لان ذلك يتنافى مع المصلحة العامة والموظف الذي يفرط فيما يعهد اليه يعد مخلا بأمانته ومضرا بالمصلحة العامة.
ه-التربح من اعمال الوظيفة:
وهي من اسوء جرائم الاستغلال الوظيفي وتشابه جريمة الرشوة الا ان جريمة الرشوة اتجار في اعمال الوظيفة بينما التربح هو استغلال الوظيفة نفسها للحصول على ربح او فأئده من اعمالها .وقد يلجئ الموظف الى ذلك حتى لا يقع تحت طائلة النصوص المجرمة للرشوة.
و-العمولات مقابل العقود والصفقات: والعمولة هي مقدار من المال يمثل نسبة معينة من العقد المبرم او من الصفقة التجارية التي يوقع عليها الموظف نيابة عن المؤسسة او الدائرة ويكون الطرف الثاني اما موردا او مقاولا.
وهكذا تصبح العمولة بمثابة ثمن الخيانة والتواطئ ,واعطاء الاخرين ما لا يستحقونه من مال الدولة العام, وقد تكون العمولة على شكل اسهم او حصة من الارباح في حالة قيام الطرف الثاني بأنشاء مشروع او شركه او تصدير بضاعه ,وعندها تقدم اسماء اشخاص ينوبون عن الموظف الذي قدم التسهيلات ابعادا عن الشبهة وتغطية الجريمةز-قبول الموظف للهدايا والإكراميات من اصحاب المصالح: ا عرفت الهديه دفع عين الى شخص معين لحصول الألفة والتواد من غير طلب ولا شرط ,في حين ان الهدايا التي تقدم للموظفين لا يراد منها التعبير عن الود والتقدير الخالص ,انما الهدايا التي تقدم للموظفين تبعا لمقاماتهم ودرجاتهم الوظيفية من قبل اصحاب المصالح ,يراد منها قصدا او غرضا معينا وهي التي نهى عنها رسول الله بقوله(هدايا العمال غلول اي خيانة
ح-الغش والتدليس:
ويقع الغش بالنسبة لما يقوم به الموظف من عدم بيان الاجراءات وتوضيحها بالنسبة للمراجعين او العاملين في المنظمة ,واستلام المعاملات وهي غير مكتملة مما يعوق اجازها في موعدهاط-الوساطة: تعرف الوساطة بانها ادخال طرف له مكانه اجتماعيه للتأثير في نتيجة العلاقات الاجتماعية بين طرفي علاقه اجتماعيه في موقف معين.
ويعرفها البعض بانها السعي لقضاء حاجات الناس ومصالحهم التي تكون عند الآخرين بطريق الشفاعة في قضائها وإيصالها الى المشفوع لهم.
ي-الابتزاز: وهو صوره من صور الفساد الاداري فقد يستغل الموظف السلطة الممنوحة له بتكليف الموظفين الذين يعملون تحت امرته بقضاء احتياجاته الخاصة وخدمة اغراضه,وقد يكون الموظف في منصب يحتاج اليه العامة فيسئ استعمال هذه السلطة واستغلالها لتسخير الناس وابتزازهم مستغلا حاجة الناس اليه.
ك-افشاء اسرار العمل: يقصد بها عدم الحفاظ على الاسرار الوظيفية وما تتضمنه من معلومات ووثائق فتتيح للموظف الاطلاع عليها بحكم وظيفته ومركزه .
ل-شراء الاصوات والنفوذ السياسي:
تحدث هذه بالتزامن مع الحملات الانتخابية خصوصا في الدول الديمقراطية وذلك من خلال تمويل حملاتهم الانتخابية ,اذ يقبل السياسيون اخذ تبرعات غير قانونيه لحملاتهم الانتخابية ثم يستخدمونها لرشوة ناخبيهم على اسس فرديه ,هذه الأنظمة تعد ديمقراطية بالاسم فقط اذ ان الناخبين يقومون بانتخابهم مقابل دفع الاموال لهم ومن ثم فانهم لا يعترضون على اساليب السياسيين المالية والرخيصة في شراء اصواتهم لانهم ينتفعون من ثراء المرشحين وسخائهم. ن-التهرب الضريبي: يتم هذا على ترغيب الاول استغلال المكلف بالضريبة للثغرات القانونية ولجؤهم للحيل التي تمكنهم من التخلص من الضرائب المستحقة دون ان يضعوا انفسهم امام المساءلة القانونية مثل الهيات الصورية للتهرب من الضرائب ,وعلى الرغم من اثرها على الاقتصاد الوطني الا انها تعتبر عند البعض القانونين تهربا مشروعا بعيدا عن العقاب.ع-استغلال السلطة والنفوذ: وهذا لا يقتصر على المراتب العليا بل يشمل جميع المستويات الإدارية الدنيا والوسطى والعليا, ويأتي استغلال السلطة من موظفين لهم نفوذ قد يستغلونها لتحقيق اغراض شخصيه لهم ولعوائلهم واقاربهم ,وهو استغلال لا يتفق مع المصلحة العامة بل يتفق مع اغراض الموظفين واهوائهم.
المصادر:
هيجان,2003:546 هيجان عبد الرحمن احمد ,استراتيجيات ومهارات مكافحة الفساد الاداري ,المجله العربيه للدراسات الامنيه والتدريب ,مجلد 12 العدد 23 ,الرياض,2003 :546
حشيش,عبد الحميد كمال ,دراسات في الوظيفه العامه في النظام الفرنسي ,مكتبة القاهره الحديثه,القاهره,1974:4 ذنيبات,الوجيز في القانون الاداري ص289
معابده ,محمود عطيه ,2010 :12 مصدر سسابق مصطفى,علي عبد القادر,الوظظيفه العامه في النظام الاسلامي وفي النظم الحديثه ,مطبعة السعاده ,عمان ,1992:110 طلبه .عبد الله,الوظيفه العامه في دوب عالمنا المعاصر,مؤسسة الوحده,1980:178
بطارسه,سليمان سليم,نظام الوظيفه العامه المملكه الاردنيه الظريه والتطبيق ,دار المكتبه الوطنيه,1997:330الكبيسي ى 2005 ص81 مصدر سابق
(العديم عقوب بن ارشيد,اخلاقيات الخدمه العامه دراسه ميدانيه لاتجاهات الاجهزه الحكوميهبمحافظة حفر الباطن , رسالة ماجستير, جامعة الملك سعود,الرياض,2001:44
المزيد صالح,كسب الموظفين واثره في سلوكهم ,العبيكان للطباعه والنشر,1983:176
مقالات اخرى للكاتب