بغداد والشعراء والصور ... ذهب الزمان وضوعه العطر
يا الف ليلة يا مكملة ... الأعراس يغسل وجهك القمر
المدينة التي تحمل بين ثناياها الجريحة سحر التاريخ وعبق الأمس والآم ومرارة الحاضر ، كانت رمزا ً خالدا ً لأمة العرب ،كانت حلمهم الجميل الذي ان تحقق فبلقاءها على ضفاف دجلة الزاهرة وألقها الأبدي ، كانوا يجدون فيها العلم والأدب والشعر وجمال النزهة وحسن اللقاء وحكايا الف ليلة وشهرزاد والسندباد ، ولشدما تمنى امراء العرب الزائرون لها ان تكون عواصم بلدانهم بجمال بغداد ، التي كانت فتيه في ريعان الشباب على الدوام ،وعندما كانت الدنيا تغفو فأن بغداد دائمة الصحو لاتنام ،متهيأة لأستقبال ضيوفها ليل نهار.
بغداد هي مركز العراق الأداري والأقتصادي والعلمي وبالأرقام فان نفوس بغداد اكثر من سبعة مليون نسمة رغم ما تتعرض له من ويلات مما يجعلها ثاني أكبر مدينة عربية بعد القاهرة من حيث عدد السكان رغم ذلك فأن مساحتها متواضعة تبلغ حوالي 204 كيلو متر مربع .
حضارة العراق
ــــــــــــــــــــــ
العراق بلد الحضارات التي تمتد جذور الحضارة فيه الى الاف السنين ،بلد التنوع والكنوز الثقافية والطبيعية والعرقية ،يمتد من ذرى جباله الشامخة حيث غابات الكروم المتشابكة والفاكهة ونزولا" مع رافديه الى أهوار الجنوب وشط العرب وغابات النخيل الكثيفة ،يحوي ترابه أنواع الكنوز والمعادن ونفطه سيكون آخر أحتياطي العالم ،البلد الذي رسمت خريطة التاريخ فيه فسيفساء متنوعه يصعب تصورها ،فهو مهد الأنبياء ،نزل فيه آدم وعاش فيه نوح وجرت قصة الطوفان على أرضه وفيه رست سفينة نوح وعاش فيه سيدنا أبراهيم وصالح وهود وغيرهم من الأنبياء ،يحتضن أضرحة سبعة من أئمة آل بيت الرسول ،وكذلك دفن في أرضه صاحبي مذهبين من المذاهب الأربعة ،أنه بلد الأسطورة القريبة من الخيال ،ولقلنا ولقالوا أنها أساطير لولا حقائقها التي تحكيها الأثار الشاخصة الى يومنا هذا ،وذكره المنتشر في شتى المراكز الثقافية في العالم ،فيه خط أول حرف وأخترعت العجلة وأستخدم نظام الري ووضعت أول شريعة مكتوبة ( شريعة حمورابي ) ،أنه بلد حدائق بابل المعلقة وزقورة أور وقيثارتها وهو مكان جنة عدن وأرض الف ليلة وليلة ومغامرات السندباد وحكايا شهرزاد ... يعيش شعبه اليوم محن التخريب والأرهاب والمرض والفاقة ،تتجول في بغداد (عروس دجلة )فتجدها ثكنة عسكرية وقد أفتقدت العمران
الذي تسير فيه الدنيا اليوم ،وكان هذا بعد حربين خاضتهما امبراطورية هذا العصر الولايات المتحدة الأمريكية ضده ، و كان يمكن تفاديهما .
بالأمس كان العراق فتيا" طامحا" ،ولم يكن يشكل تهديدا" لأحد بقدر ما كان طموحه قد جلب عليه حقد أعدائه وتكالبهم على تدمير ما كان يبنيه ،مستغلين نزوات قيادتة الدكتاتورية للتشهير به واتخاذها حجة للحد من طموحاته التي كانت غير مشروعه في عرفهم .
واليوم أذا كانت المؤامرة تشمل كل العراقيين بكل طوائفه وأديانه ،وهي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ،وهي تنفذ على نطاق واسع لايقتصرعلى العراق فحسب ،فما بال العراقيون ينساقون في أتجاه المؤامرة ويسمعون لمنظريها ،ويسعون في طريق لاتحمد عقباه ولاتعرف نهايته ! محنة بغداد اليوم
ـــــــــــــــــــــ
بغداد في محنة كبيرة حالها حال العراق ، فالتأخر من اللحاق بالدنيا ابتدأ في بغداد منذ مغامرة الطاغية في الكويت ،وأعطاءه الفرصة لأعداء العراق للنيل منه بسهولة ،وأخذت بغداد تراوح مكانها طيلة فترة الحصار الظالم على شعب العراق لأكثر من 12 سنة ، ثم حرب بوش الأبن ومساعديه من الصهاينة ، والتي اضرت ببغداد ضررا ً كبيرا ًفلم يكتفوا بما دمرته الصواريخ والسلاح الحديث ،بل سمحوا لصفحة من التخريب والنهب والسلب على ايدي خفافيش الظلام ،حيث شوهوا وجهها وسرقوا كنوزها وسلبوا محاسنها .
ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تحسين صور الخراب ،بل زادت سوءا ًعلى سوء ، حيث :
- تركز الأرهاب على بغداد بحيث ان جسدها ليس فيه جزء يخلو من مفخخة او حادث ارهابي ،وقد حاول الأرهابيون ومن يدعمهم ،خلق فتنة داخلية وجعل البغداديون يقتل بعضهم البعض .
- حالها حال العراق تعاني من نقص في امدادات الطاقة والمياه ، وصيانة الطرق والصرف الصحي ، وتحجر شوارعها على زمن الثمانينات عندما لم يكن في بغداد ربع العدد الحالي من السيارات .
- زيادة ابنية الحواسم ،تلك الأبنية العشوائية التي لم تستطع الدولة من ايجاد حل سريع لها ، مقابل اهمال وتداعي معظم الأبنية التراثية التي كانت تشتهر وتتميز بها بغداد ، وتضرر النصب والتماثيل و المراكز الفنية بفعل التداعي الأمني وبروز الفئات الظلامية المخربة .
- زرع الكتل الكونكريتية بكثافة ليس لها ما يبررها فلا هي منعت الأرهاب ولا اوقفت المفخخات ،بل زادت مآسي الناس وزحام المدينة وتشويه وجه بغداد الزاهي ، كما ان المسؤلون يغلقون شوارع بأكملها خوفا ًعلى سلامتهم .
- ان العصر الحالي شهدهجرة الكفاءات الوطنية من مهندسين ومعماريين وفنانين .. مما يمكن ان يعتضد بهم في البناء والأعماربسبب اهمالهم من الحكومات المتعاقبة ،ورغم الأموال الطائلة التي ترصد للأعمار الا ً انها تذهب هباءا ً في صفقات الفساد وفي الأعتماد على مهنيين لايملكون الكفاءة المطلوبة واغلبهم من اصحاب الشهادات المزورة ،حيث اصبح التزوير شطارة وليس جريمة !
- اهمال واندثار معظم المساحات الخضر واماكن السياحة التي كانت تشتهر بها بغداد ، وقد وزع بعضها كأراضي سكنية للمسؤولين .
نطمح ان يأتي اليوم الذي تستطيع الدولة فيه الوقوف مجددا ً ،ومد يد العون الفعلية الخالية من المزايدات الى بغداد ، لكي تعيد البريق والألق السحري الذي يغلف جلال وجهها ، وهذا لايتم الا ّ بعودة الروح الى عموم الحياة العراقية ، بحيث تنهض للأبداع من جديد، ونرى جواد سليم وفائق حسن والجواهري والرصافي... وقد ولدوا جيلا ً فتيا ً يحمل بذور الأبداع من جديد
مقالات اخرى للكاتب