المثقف العراقي هو الشخص الوحيد المخول بإقامة البرامج الثقافية العراقية. وبذا يكون المثقف هو المشرف على تنظيم وإدارة الاحتفالات الثقافية كإعداد المنهاج واختيار من يمثل الثقافة العراقية في شتى مساربها . في زمن النظام السابق كانت البرامج والاماسي والندوات والاحتفالات الثقافية يحييها بعض المحسوبين عليه والذين قد لا يمثلون الثقافة العراقية وربما هم أعضاء في أجهزة المخابرات القمعية أو مدراء متنفذين في وزارة الثقافة والإعلام لم يسمع أي احد بهم . أما بعد سقوط النظام الجائر ، فان البرامج الثقافية العديدة التي أقامتها وزارة الثقافة داخل العراق وخارجه فقد كانت تهمل شريحة واسعة من الأدباء والمثقفين وتقتصر على أسماء محددة لا يعرف كيف يتم اختيارها ووفق أية اعتبارات .
ناهيك عن إهمال وتهميش واضح للأدباء والمثقفين والفنانين العراقيين الذين حكمت عليهم الأقدار والأيام أن يسكنوا في الغربة . ونعتقد بان هذا الإهمال المقصود آتيا من عدم معرفة الوزارة بالأسماء الثقافية والأدبية والفنية الموجودة في الدول العربية والأوربية وحتى المحافظات . وهكذا همش المثقف العراقي المغترب والذي له الفضل ومازال في إدامة المشهد الثقافي العراقي منذ زمن بعيد . إن الشخصيات الثقافية العراقية المغتربة التي عانت ما عانت من ويلات وقهر وظلم النظام القمعي حتى في الجانب الثقافي من مطاردة وسجن وتشريد للأقلام الشريفة المبدعة ، لتستحق من وزارة الثقافة أن تنظر لها بعين اليمين وان لا تنساها في أي برنامج أو محفل ثقافي . ونعتقد بان وزارة الثقافة العراقية خلقت لنفسها جدارا عازلا بينها وبين المثقفين العراقيين وهي تهمل عن قصد أو بدونه ، أسماء مهمة لها دورها في إشاعة وتصدير الثقافة العراقية الأصيلة المحكمة ، ثقافة الإبداع الحر المتميز . إنهم يسكنون في بلاد الغربة وبمحافظاتنا العزيزة لكنهم يرفدون الساحة الثقافية والفنية بكل مقومات نجاحها واستمرارها منطلقين من إبداعهم وقدراتهم على التأثير الفاعل بكل الأنشطة وخلايا الفكر بمختلف زواياه .. ولعل الوزارة تعلم جيدا وتدرك بكل تأكيد بان المثقفين هم عمود وركائز الوزارة ولولاهم لما كانت هناك وزارة أصلا وبذا عليها أن تتعامل بموضوعية وواقعية ودون تأثيرات جانبية في اختيار الوفود الذاهبة إلى خارج العراق والقادمة للعراق لتمثيل الثقافة العراقية الجديدة ..
ثقافة الصدق والمعاناة والحرية المغمسة بالكرامات التي لم تستطع كل شقاوات النظام السابق وأقبيته المظلمة الإطاحة بها .. ويبدو أن وزارة الثقافة وتحديدا في فترة بغداد عاصمة الثقافة لم تتعب نفسها بالبحث والسؤال عن المثقفين الآخرين البعيدين عن أنظارها ، فكم من مثقفين وفنانين وأدباء هم أولى من غيرهم بالحضور ولكن لم توجه لهم أية دعوة ..؟ وكم من مثقفين وفنانين وأدباء ماتوا في المنافي ولم تسأل عنهم ولم ترسل حتى تعزية إلى ذويهم داخل العراق , وكم من مثقفينا من دفع حياته تضحية لأجل رفعة الثقافة العراقية وحفاظا على أصالتها وصدقها إبان اعتى ديكتاتورية ، ولم يرف لوزارة الثقافة أي جفن رغم كل المناشدات والأسئلة الملحة التي صارت على كل لسان وأسمعت كل آذان .. إنها محنة الثقافة العراقية أن تتعامل مع أناس همهم الأول تهميش الآخرين وإقصاءهم عن مسرح الأحداث الثقافية . ويحق لنا القول بان كل مثقف عراقي له الحق في تمثيل بلاده في المحافل الدولية والمحلية وله الحق في تمثيل الثقافة والفكر الإنساني العراقي خير تمثيل .. ولعل الوزارة من أكثر الجهات البعيدة جدا عن هموم وتطلعات المثقف العراقي لأنها تبخل حتى بالسؤال عنه إن كان مريضا , وتبخل عنه إن رحل فلا تؤبنه ولا تتذكره في أية مناسبة . يبدو لي أن جميع ايفادات وبرامج واحتفالات وزارة الثقافة تأتي مرتجلة وبالصدفة وعن طريق العلاقات لأنها تختصر الزمن ولا تؤثر على الوقت وتقلل من الجهد وغير مستندة إلى قوائم مرفوعة من الاتحادات الثقافية . وهذا ما يؤثر سلبا على علاقة المثقف بالوزارة وبالتالي نفوره من كل فعالية ثقافية وقد يتعدى ذلك إلى عدم مساندته للوزارة في كل مشروع ثقافي . ونعتقد أن من أولويات الوزارة هي مد جسور الثقة والتعاون مع كل المثقفين دون استثناء وتهميش بأعذار واهية لا يمكن الاقتناع بها . وقد برهنت السنوات الماضية هذا الكلام عندما شرعت الوزارة ببرنامج بغداد عاصمة الحضارة العربية وكذلك عندما باشرت بالايفادات والأسابيع الثقافية والمهرجانات واللقاءات دون تبليغ الآخرين الذين يشكلون كل المشهد الثقافي في العراق . وكي نردم الهوة بين المثقف والوزارة يجب الاعتراف بوجود مثقفين وأدباء ومفكرين لهم فضل كبير في مسيرة الإبداع العراقي هم على قيد العراق من الوريد إلى الوريد ، محبون لبلدهم ولكرامته ويتطلعون للمشاركة في أي فعالية وطنية ترفع من شأن الثقافة العراقية . وأخيرا أقول :- اليوم يسدل الستار على عروس العرائس بغداد كعاصمة للثقافة العربية فهل من حقنا أن نسال عن مئات المليارات التي خصصت لعاصمة الثقافة العربية ..؟؟ وكيف نفقت ووزعت وقسمت ..؟؟ وما هي أخبار الأموال الضخمة والكبيرة التي منحت لأصحاب المشاريع الثقافية والفنية ..؟ ولماذا وقع الاختيار على المخرج الفلاني دون غيره من الذين قدموا مشاريعهم ..؟ ولا أظن إنها – مئات المليارات - أصبحت نهبا للسفلة والمارقين والمفسدين أكلوها أو طمروها وعزفوا على روحها السلام الجمهوري ومن على خشبة المسرح الوطني .؟؟ مجرد تساؤلات فمن يجيبنا عليها يا ترى ..؟؟
مقالات اخرى للكاتب